التسريبات «الإسرائيلية» حول «انهيار السلطة»
مرة أخرى يعود الجدل حول احتمالات انهيار سلطة أوسلو الفلسطينية، ولكن هذه المرة بدفع «إسرائيلي» واضح، الأمر الذي يعطيه، للوهلة الأولى، سمة أكثر «جدية»، كما يفرض على المراقب الذهاب إلى ما هو أبعد من السطح الذي طفا عليه الجدل في مرات سابقة.
بدأ هذا الجدل بتسريبات «إسرائيلية» عن «مشاورات» دارت في المجلس الوزاري المصغر «الإسرائيلي» في جلسته يوم 4-1-2016، حيث قال فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: علينا أن نستعد لاحتمال انهيار السلطة الفلسطينية، وأنه يجب منع حدوث ذلك ! وذكرت صحيفة (هآرتس) أن هذه «المشاورات» كانت قد بدأت بعد تحذيرات أطلقها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إثر عودته من زيارة قام بها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وجاءت على خلفية الجمود السياسي، والتصعيد الأمني بسبب الهبّة الشعبية في الضفة الغربية، والضائقة الاقتصادية التي تواجهها السلطة الفلسطينية.
أغضبت التسريبات «الإسرائيلية» السلطة الفلسطينية وخارجيتها، واعتبرتها تحريضاً ضدها، في وقت كان الموقف «الإسرائيلي» المعلن على لسان نتنياهو هو «منع حدوث ذلك»! في الوقت نفسه، ذكر أن انقساماً في الكنيست إزاء ذلك، حيث إن بعض أعضائها رأى أن انهيار السلطة يمنح الحكومة «الإسرائيلية» فرصة «فرض القانون على منطقة (ج)» أي ضمها (هآرتس- 7/1)، بينما رأت الجهات الأمنية، وخصوصاً القادة في الميدان، ضرورة الإبقاء على «السلطة» والعمل على منع انهيارها. ودعماً لموقفها، تحدثت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» عن «تقرير» قدمته الأجهزة الأمنية للحكومة، وقالت فيه إن «السلطة الفلسطينية باتت تتخذ إجراءات لتقليص حجم التحريض على العنف في وسائل الإعلام الرسمية»، وإنها «تنشر عدداً أكبر من أفراد قوات الأمن بالزي العسكري في بؤر الاحتكاك في الضفة الغربية بغية منع المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الجيش»! وأضافت: إن «أجهزة الأمن الفلسطينية استأنفت حملة الاعتقالات في صفوف نشطاء حركة حماس في الضفة» (هآرتس- 7-1-2016).
الخارجية الفلسطينية رأت أن وراءها «نوايا خبيثة» وهي «شكل من أشكال استغفال المجتمع الدولي، واستمرار hW لحملات الكذب والتحريض والتضليل» (القدس العربي- 5-1-2016). من جهة أخرى، رأت بعض وسائل الإعلام المؤيدة، وبعض الكتّاب الموالين، أن مطلقي التسريبات «الإسرائيليين» يرمون إلى أهداف محددة من وراء تلك التسريبات. وفي افتتاحيتها، قالت صحيفة (القدس العربي- 6-1-2016)، إن من الأسباب التي دفعت نتنياهو للحديث عن انهيار السلطة الفلسطينية نجد: «1- استخدام ذلك في دفن حل الدولتين. 2- للقضاء على انتفاضة السكاكين. 3- إن سلطة فلسطينية غير قادرة، أو غير عازمة، على إنهاء الانتفاضة هي سلطة فقدت مبرر وجودها»!
لا تبدو الأسباب المذكورة أعلاه مقنعة. ف«حل الدولتين» لم يكن يوماً حلاً قابلاً للتطبيق بالنسبة لنتنياهو أو غيره من القادة «الإسرائيليين»، لأنهم ضد قيام دولة فلسطينية من حيث المبدأ. وتمسك واشنطن لفظياً بهذا الحل كان خداعاً يخدم المخطط «الإسرائيلي». أما «انتفاضة السكاكين» فلا علاقة لها بوجود سلطة رام الله، بل العكس هو الصحيح، وتقارير الجهات الأمنية «الإسرائيلية» حول «التنسيق الأمني» ودفاعها عن السلطة والتزامها بهذا «التنسيق» خير دليل، وهو ما يجعل مبرر وجود هذه السلطة قائماً ومستمراً.
كتّاب السلطة يمثلهم كاتب ومقال نشرته صحيفة (الأيام 7-1-2016)، جاء فيه: «المقصود «الإسرائيلي» لانهيار السلطة هو بالذات ما تحضره «إسرائيل» من إجراءات عقابية ضد الشعب الفلسطيني وضد السلطة الوطنية، عندما تتخذ السياسات الخاصة بإعادة النظر في العلاقة التي ترتبت على اتفاقيات أوسلو...»! من الواضح أن الكاتب ينطلق في تحليله من فرضية أن السلطة الفلسطينية ستنفذ «تهديداتها» التي سبق وأقرها المجلس المركزي والتي كررها الرئيس محمود عباس، وكذلك متابعة «المشاريع» الخاصة في الأمم المتحدة ومؤسساتها. وهذه فرضية ثبت أكثر من مرة أنها لا تقوم على أرضية ثابتة أو موقف جدي، لكنها ضرورية للوصول إلى الهدف الحقيقي من المقال، وهو ضرورة الاصطفاف وراء السلطة: «المهم أن يدرك الكل الوطني حجم هذه المخططات، والأكثر أهمية أن يدرك هذا الكل الوطني الوسائل الأنجع في مواجهتها. وهذا يتطلب أولاً وقبل كل شيء مراجعة جادة لأداء السلطة ودورها ووظيفتها»! «الكل الوطني» إن كان يقصد به الشعب الفلسطيني يعرف يقيناً «هذه المخططات» فهو يعيشها يومياً على جلده، ويعرف يقيناً أن «الوسائل الأنجع» ليست وسائل السلطة، بدءاً بالمفاوضات وإقناع «المجتمع الدولي» وانتهاء ب«المقاومة الشعبية السلمية»! وإذا كان الكاتب ينهي مقاله بمطلب قديم يطالب به «الكل الوطني» وهو «مراجعة جادة لأداء السلطة ودورها ووظيفتها»، فهو مطلب أصبحت المطالبة به تثير في النفس السخرية أكثر من أي شيء آخر!
ولا يبقى إلا أن نقول: إن من أنشأ «سلطة أوسلو» هو فقط يستطيع أن يسقطها. والقيادة «الإسرائيلية» هي التي أنشأتها، في آخر التحليل. والتسريبات «الإسرائيلية» لا تعدو أكثر من «ضغط روتيني» على هذه السلطة لإبقائها في الدائرة التي يريدها نتنياهو «وكيلاً أمنياً مخلصاً لأجهزته الأمنية»، وفي الوقت نفسه يمكن أن تكون محاولة لإرجاعها إلى طاولة المفاوضات للخداع والتضليل!
لقد اعتبر الرئيس محمود عباس دائماً، وفي كلمته من بيت لحم بمناسبة عيد الميلاد المجيد بالتوقيت الشرقي، ورداً على التسريبات «الإسرائيلية» والمطالبين بحل السلطة في آن، أن إنشاء السلطة كان «إنجازاً وطنياً»، وعلى الجميع أن «لا يحلموا بانهيارها»!
(المصدر: الخليج 2016-01-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews