الاستراتيجية الفلسطينية في بعدها الدولي
الاستراتيجية أعلى درجات التفكير والتدبير البشري ترتبط بأهداف وغايات محددة، وتحكمها وسائل وعناصر قوة متاحة وممكنة. ولذلك تتعلق الاستراتيجية بفن الممكن وهو التعريف العام للسياسة، وبالقوة بهدف التأثير في سلوك الفاعلين الدوليين وخصوصاً إذا تعلقت هذه الاستراتيجية بالعلاقات الدولية.
والمعيار في نجاح أي استراتيجية قدرتها على ترجمة مفرداتها ومكوناتها على أرض الواقع، وهذا يتطلب أكثر من شرط، أولاً الواقعية في الأهداف والغايات، وعدم المبالغة في عناصر القوة المتاحة، والابتعاد عن التفكير الغيبي المثالي، أو ما يسمى باستراتيجية النعامة التي تعتقد أنها ترى العالم كله والعالم لا يراها. وإدراك أن البيئة الدولية تحكمها شبكة معقدة من الفواعل الدوليين، وهي بيئة خارج السيطرة، وتحكمها لغة المصالح والقوة. والبعد الدولي للاستراتيجية الفلسطينية يعتبر من المكونات الرئيسية لأي استراتيجية شاملة، بل إن هذا البعد هو الذي قد يشكل إطار الاستراتيجية في بعديها الفلسطيني و«الإسرائيلي».
في البداية لابد من التذكير ببعض الحقائق: أولاً المتغير الدولي ليس مجرد متغير تابع، بل هو متغير رئيسي ومسيطر على تفاعلات ومخرجات الاستراتيجية الفلسطينية وحتى «الإسرائيلية». ثانياً المسؤولية الدولية في نشأة الصراع وتطوره وعدم حله، ومن ثم تبقى هذه المسؤولية قائمة. ثالثاً ارتباط الفلسطينيين بصورة أو بأخرى بتطورات هيكل القوة على المستوى الدولي، والاعتماد شبه الكلي على المساعدات والمنح والقروض الاقتصادية في دعم موازنة السلطة وبقائها. ثم البيئة الدولية المتشابكة والمعقدة.
جوهر الاستراتيجية الدولية يتمثل بالشرعية الدولية التي توفرها للموقف الفلسطيني في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي».
وتتنوع آليات الاستراتيجية الدولية مما يعطي هامشاً واسعاً للحراك والخيارات الفلسطينية التي تقود لإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» وقيام الدولة الفلسطينية. ويمكن تلخيص هذه الآليات والأشكال على النحو التالي:
تفعيل مكانة ودور الدولة الفلسطينية وهذه تشكل أعلى درجات الاستراتيجية الدولية، وتتمثل في السعي الدائم لتحويل وضع الدولة الفلسطينية من دولة مراقب إلى دولة كاملة. ففي الوقت الذي يعتبر فيه الحصول على صفة مراقب إنجازاً كبيراً، إلا أن هذه الإنجاز يكتمل بالحصول على عضوية الدولة الكاملة. وهذا ليس بالسهل مع الفيتو الأمريكي، ومع ذلك العمل الدؤوب مطلوب من خلال الحصول على هذه الصفة من خلال تفعيل «قانون الاتحاد من أجل السلام»، ومن ثم عرض الملف على الجمعية العامة، وعند الحصول على ثلثي الأصوات يمكن عندها التغلب على الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن.
لا شك أن القضية الفلسطينية تعتبر من أكثر النزاعات الدولية التي حظيت بقرارات دولية صدرت من مختلف فروع الأمم المتحدة، ومنظماتها الدولية، ولذلك المطلوب توثيق وترتيب هذه القرارات حسب أهميتها، وحسب موضوعاتها، والعمل من جديد على تفعيلها، ومطالبة المنظمة الدولية بتحمل مسؤولياتها، ولعل من أبرز هذه القرارات القرار رقم 181 والذي بموجبه قامت «إسرائيل» كدولة، والمطالبة بتطبيق الشق الخاص به من الدولة العربية الفلسطينية، والقرار رقم 194 الخاص بوضع اللاجئين الفلسطينيين، والقرارات الخاصة بحق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، وعدم شرعية الاستيطان، وغيرها الكثير من القرارات. وأهمية هذا الخيار أنه يجدد المسؤولية الدولية، ومسؤولية الأمم المتحدة في تنفيذ قراراتها.
وهناك خيار المطالبة بتطبيق الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا الخيار يمكن أن يكون منفصلاً، ومرتبطاً بوضعية فلسطين دولة مراقب، ويتطلب هذا أولًا إثبات أن فلسطين تحت الاحتلال، وأن تواجد القوات «الإسرائيلية» على الأراضي الفلسطينية هو احتلال مباشر، ويهدد السلام والأمن العالميين، وحيث إن «إسرائيل» دولة عضو في الأمم المتحدة فهي ملزمة باحترام ميثاق الأمم المتحدة، علماً أن هذا سيعترضه الفيتو الأمريكي، لكن لا يمنع من هذا التوجه.
ويمكن تلخيص كل هذه الآليات في تفعيل دور الأمم المتحدة فيما يتعلق بمسؤولياتها السياسية والأمنية والإنسانية تجاه القضية ومعاناة الشعب الفلسطيني، وكل هذا يتعلق بتفعيل الشرعية الدولية، والتذكير دائماً بهذه المسؤولية، وتذكير الأمم المتحدة بمسؤولياتها في نشوء القضية الفلسطينية واستمرارها من دون حل.
ولهذه الاستراتيجية جانب آخر يوازيها، وهو الاستراتيجية على مستوى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني الدولية، وهنا يأتي أيضاً تفعيل دور الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية، والتأثير في الانتخابات في العديد من الدول كالولايات المتحدة والدول الأوروبية، وتفعيل العلاقات مع البرلمانات في العديد من الدول، وإقامة علاقات مع النواب فيها، ومع كل الشخصيات القيادية العاملة في كافة المجالات الإنسانية والأكاديمية والبحثية والعلمية. وأيضاً تفعيل دور السفارات الفلسطينية من خلال الندوات والمؤتمرات والمعارض، والمشاركة في كل المناسبات الوطنية والاجتماعية، والدينية، والتواصل مع قيادات المستقبل، أي جعل القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني جزءاً من منظومة القيم التي تحكم السلوك السياسي وسلوك المواطن العادي في هذه الدول.
(المصدر: الخيلج 2016-01-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews