قرار مجلس الأمن والتحالف الإسلامي السني والقيصر بوتين

"1"

قرار مجلس الأمن بشأن سوريا

لا يفوتني أن أعقب سريعا على قرار مجلس الأمن الذي صدر الجمعة بالإجماع حول سوريا ، والذي أبقى الأسد عامين كاملين في السلطة ، مع تشكيل حكومة ذات صلاحيات مطلقة ، وأسأل هنا :

كيف سيكون للحكومة الإنتقالية سلطة اتخاذ القرار طوال هذه المدة ، بينما يمسك الأسد بالجيش والمخابرات والميليشيات العلوية والشيعية التي تناصرة ؟

أي ضحك على الذقون هذا ، وتحت أي يافطة يمكن إدراج القرار ؟ .

لقد بات الأمر واضحا وليس بحاجة إلى قليل ذكاء : وهو أن إعلان الرياض ، والذي صدر عن مختلف الفصائل السورية أصبح من الماضي ، فنحن هنا نتحدث عن قرار أممي مقابل بيان أو إعلان إقليمي من طرف المعارضة فقط ، ناهيك عن أن الفصائل المدرجة ضمن قوائم الإرهاب ، والتي طلب مؤتمر فينا تحديدها ، بعضها محسوب على دول خليجية من مثل أحرار الشام وجيش الإسلام ، أبرز فصيلين سوريين مسلحين يعتبران من ألد أعداء داعش ، فهل ستسمح السعودية وغيرها بأن تدرج هاتان المنظمتان ضمن القوائم ؟ .

وعلى نفس الصعيد ، فإن توافق روسيا والولايات المتحدة على القرار الأممي يعني أن واشنطن تبنت وجهة النظر الروسية ، وأبقت على بشار الأسد ، مع أن كيري قال في موسكو قبل أيام : إنه لا مكان للأسد في مستقبل سوريا .

إنه ، وكما قلنا ، ضحك على الذقون من نوع خاص ، تتجلى فيه حقيقة واحدة : أن سايكس وبيكو يعيشان بيننا الآن ولكن على هيئة كيري ولافروف .

تناسخ أرواح من طراز فريد .

***

"2"

التحالف الإسلامي السني

أرغب بالكتابة أيضا عن ردة فعل إيران وحزب الله والعراق والنظام السوري على إعلان التحالف الإسلامي المشكل من 34 دولة لمحاربة الإرهاب والمتطرفين من كل الملل والنحل ، حيث جن جنون هؤلاء جميعا وبدأوا يصفون التحالف بالمشبوه والمتصهين والخضوع للإرادة الأمريكية والصهيونية الزئبقية الرجعية الإنكشارية ، وما إلى ذلك من مصطلحات تعودنا عليها من هذه الأطراف جميعا .

وأذكر قرائي الأعزاء ، أن هؤلاء : حزب الله والعراق ونظام دمشق لم يتخذا أي موقف من التحالف إلا بعد أن اتخذ الإيرانيون موقفهم المناهض له ، فبمجرد أن أعلن حسين عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الأيراني موقف إيران المشكك والمتهم ، شمر نصر الله عن زنديه وكذلك فعل العبادي ونظام الأسد ، وأصدرا مواقف اتهامية ينضح منها شعور الغيظ والكدر ، لكون العرب والمسلمين السنة بات لهم حلف عسكري أعلن وزير دفاع السعودية أنه لن يوجه ضد داعش فقط بل ضد أي منظمات إرهابية في المنطقة ، وفهم هؤلاء أن ميليشياتهم الإجرامية قد تكون مستهدفة .

باختصار : أخذت السعودية زمام المبادرة ، وانضم العرب إلى الحلف بساندهم دول سنية كبرى من مثل باكستان وتركيا وأندونيسيا التي أعلنت تأييدها ومباركتها ، ونقول للطائفيين في طهران والضاحية وبغداد ودمشق : موتوا بغيظكم .

***

"3"

بوتين القيصر .. ماذا يريد ؟

ولأنه لا يجوز لي أن أمر مرور الكرام على مؤتمر بوتين الصحفي الذي عقده في موسكو الخميس ، فإنني أقول هنا ، بأننا كنا نستمع لمواقف دولة عظمى قد تذهب بالعالم إلى الهاوية ، سواء فيما يتعلق بمواقف روسيا من تركيا التي قال إنه لن يتصالح معها ما دام أردوغان في السلطة ، أو بتحذيره الطائرات التركية من اختراق سماء سوريا ، أو بإعادته الترويج أن الرئيس التركي يسعى إلى " أسلمة " تركيا ، في تحريض مقصود للغرب على حليفهم في الناتو ، مما يحرك نارا تحت الرماد ، ومما يكرس واقعا جديدا يشي بأن الروس كما سبق وقلنا في مقال سابق ، ماضون إلى التصعيد ، بل إن انتقاد بوتين للتحالف الإسلامي واعتباره غير مفهوم لوجود تحالف دولي آخر بقيادة الولايات المتحدة ، يؤكد قيادة موسكو للحلف الشيعي في المنطقة الذي يجب الإعتراف أنه - أي الحلف المذكور - أحسن استغلال إمكانات الدولة الروسية العظمى في " محاولة " تحقيق أهدافه في السيطرة على المنطقة ومقدراتها من خلال تشييع أهلها ، إلا أن كل هذه المحاولات ارتدت على هذا الحلف بحيث باتت سمعة دوله في الحضيض ، لدرجة أصبح فيها المواطن العربي والإسلامي يعتبر إيران أخطر من إسرائيل ، والأسد عميلا مجرما ، ونصر الله تابعا صغيرا ، والعبادي صورة متحركة ، وهو ما لم يكن يخطر على بال الملالي في طهران وأفرعهم في بغداد والضاحية ودمشق .

لقد بات التحالف الإسلامي واقعا ، ولا نتوقع منه الكثير ، بسبب لعب بعض دوله على الحبال ، إلا أن مجرد إعلانه يبشر بأن الدول الرئيسية في العالم الإسلامي بدأت تعي وتدرك حجم خطر الإرهاب وخطر التشيع وسعي إيران وحلفائها في المنطقة للسيطرة على العالم الإسلامي عبر تغيير هويته وعقيدته كما فعل إسماعيل الأول في العام 1501 حيث اعتمد الصفويون على العرق الفارسي والمذهب الإثني عشري في قتال وتشييع أهل السنة الذين كانوا يشكلون الإغلبية الساحقة من أهل إيران.

وعودة إلى بوتين ، فإن الأمر لا يحتاج لكثير ذكاء من أجل إدراك أن مواقفه تجاه سوريا وتركيا جاءت عقب لقائه في موسكو جون كيري ، أي أن يوتين في مؤتمره الصحفي السنوي هذا ، والذي عقده عقب مغادرة كيري ، أراد أن يقول للعالم : نحن من أخضعنا الولايات المتحدة وجعلناها تتبنى موقفنا من إشراك الأسد في المرحلة الإنتقالية ، وأن القرار الذي قدم لمجلس الأمن لاحقا وصدر بالإجماع الجمعة ، كان مشروعا روسيا أمريكا مشتركا ، إلا أن ما يلفت في كل هذا ، هو أن الولايات المتحدة التي رحبت بتحالف الرياض الإسلامي قد تنقلب عليه ، ولكن ما يطمئن أن هناك دولا رئيسية في هذا التحالف " شورها من راسها " كما يقولون ،ولكي لا نتهم بالمبالغة ، فإنه لا يجب أن ننسى - في هذا السياق - منع تركيا الولايات المتحدة من استخدام قاعدة أنجيرليك ذات حرب على العراق ، وأيضا تفجير باكستان قنبلتها النووية الأولى ، تلك التي تسببت بقطع المساعدات الأمريكية عن إسلام اباد فترة طويلة ، ومن ضمن ذلك أيضا ، ما " قيل "عن إخفاء الإستخبارات الباكستانية لأسامة بن لادن لسنوات ، داخل الأراضي الباكستانية ، الأمر الذي عجل - بعد اكتشاف مقره - بأزمة دبلوماسية بين الطرفين ، ناهيك عن قطع باكستان طرق الإمداد عن حلف الناتو منها وإلى أفغانستان ، جراء هذه الأزمات المتلاحقة ، أما دولة المقر " السعودية " فلم تنتظر فتوى الحليف الأمريكي في إعلان عاصفة الحزم التي لولاها لأصبحت إيران حقيقة ناصعة جنوب الجزيرة وعبر كل أراضي اليمن غير السعيد .

بوتين ، القيصر ، يتصرف بكبرياء ،ويريد أن يعيد أمجاد الزمن الغابر ، مع أن قوته الإقتصادية لن تسمح له باللعب طويلا في مضمار السباق هذا ، لأنه مضمار لا تقف الشعوب على جانبيه متفرجة ومصفقة ، بل غاضبة وترفع شعارات الحرية ، وبعضها يحمل السلاح .

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv