انتظار رد فعل موسكو وطهران بعد نجاح مؤتمر الرياض
مع انتهاء أعمال مؤتمر الرياض يكون حلفاء المعارضة السورية، وبشكل خاص أميركا والسعودية، قد أوفوا بالشق الأول من الالتزامات المترتبة عليهم بعد محادثات فيينا والمتمثلة بتشكيل الوفد المفاوض للمعارضة السورية، فيما يتمثل الشق الثاني في وضع لائحة بالمنظمات الإرهابية.
والحال أن نجاح المؤتمر والإيفاء بالالتزام المشار إليه جاءا على نحو غير متوقع من قبل حليفي النظام السوري، روسيا وإيران، اللتين اعتقدتا أنهما ترميان كرة مليئة بالأشواك في حضني واشنطن والرياض بحيث تعجزان عن التقاطها. فليس خافيا على أحد، ولا على حلفاء بشار الأسد، درجة تعقيد واقع المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها.
فالمعارضة السياسية وصلت إلى أقصى درجات التشرذم في وقت يبدو أن النقاط المشتركة في ما بينها تقلصت إلى حدودها الدنيا. أما مشهد المعارضة المسلحة فيبدو أكثر تعقيدا، إذ تعمل في سوريا المئات من الفصائل العسكرية المسلحة التي تتفاوت طبيعة خطابها ورؤيتها السياسية، وذلك في ظل تلقيها للدعم المالي والعسكري من أطراف مختلفة، تبدأ بالدول الإقليمية، مرورا بالغرب، وانتهاء بإيران وروسيا (بشكل خاص القوات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي). ويزداد المشهد تعقيدا مع تبني بعض كبرى الفصائل العسكرية خطابا إسلاميا متطرفا يرفض الدولة المدنية، فيما تتعاون فصائل أخرى مع تنظيمات مرتبطة بالقاعدة مثل جبهة النصرة.
راهنت موسكو وطهران على أن فتح ملف الوفد المفاوض وقوائم الإرهاب سوف يربك حسابات واشنطن والرياض ويجبرهما على التخلي عن الفصائل المتشددة، سواء في ما يتعلق برؤيتيهما لطبيعة الدولة القادمة أو بعدائهما للنظام. وسيترتب على ذلك التخلي عن تشكيل وفد معارض يكون مهادنا للنظام السوري، بما يجعل الرياح العاصفة لعملية التغيير مجرد نسائم على قلوب النظام وحلفائه المرتعدة من المرحلة الانتقالية وما يمكن أن تسفر عنه.
لكن الرهان فشل، ونجح مؤتمر الرياض في تحقيق الإنجاز الأهم والمتمثل في تشكيل “الهيئة العليا للتفاوض” والتي فضلا عن أنها تضم أوسع طيف من المعارضة السياسية السورية منذ اندلاع الثورة، فإنها تضم أيضا المعارضة المسلحة بما يرفع من مصداقيتها وقيمتها التمثيلية.
يدل تشكيل تلك الهيئة على قدر كبير من المرونة والحنكة من جانب المعارضة والبلد المستضيف، إذ لم يجر الإعلان عن تشكيل “الوفد المفاوض” والذي كان من شأن تشكيله أن يؤدي إلى اعتراض روسيا وإيران وتجمعات معارضة أخرى لم تُدعَ إلى الرياض. بل تم تشكيل هيئة تشرف على تشكيل الوفد المفاوض لاحقا، بحيث تكون مرنة ومنفتحة على أطراف لم تشارك في المؤتمر، ولكن بما يتوافق مع الوثيقة السياسية والرؤية الموحدة لعملية التسوية السياسية التي تم الاتفاق عليها في المؤتمر.
ردة الفعل الغاضبة من طرف إيران على عودة كرة الأشواك واللهب إليها من جديد كانت واضحة من خلال الهجوم الذي شنه نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، على السعودية وقوله إن “بعض الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم داعش تشارك في المحادثات”، مضيفا أنه “لن يُسمح لهذه الجماعات الإرهابية بتقرير مصير سوريا”. وليخلص إلى أن اجتماع الرياض “لا يتماشى ومحادثات فيينا”.
الحقيقة أن الاجتماع يتماشى مع محادثات فيينا تماما، ولكنه لا يتماشى مع المخطط الإيراني الروسي الذي أُعد قبيل تلك المحادثات. ولا يقتصر الأمر على مشاركة حركة أحرار الشام وجيش الإسلام في المؤتمر وتوقيعهما على البيان الختامي الذي ينص على تشكيل دولة مدنية ديمقراطية لا تميز بين مواطنيها على أساس ديني أو طائفي أو عرقي، بل يمتد إلى بند آخر من المتوقع أن يكون مثار جدل كبير وهو “ربط تنفيذ وقف إطلاق النار بتأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي”، وبشكل يعارض رغبة كل من روسيا وإيران بوقف النار قبل بدء المفاوضات. مراهنة روسية – إيرانية أخرى تعتمد على أن وقفا فوريا لإطلاق النار قبل بدء المفاوضات سوف يكون، على أرض الواقع، من جانب واحد، هو جانب المعارضة المسلحة، فيما سيتذرع النظام السوري ومن ورائه روسيا وإيران بأنهم يقاتلون جبهة النصرة وفصائل أخرى “إرهابية” يأملون في إدراجها على قوائم الإرهاب. ويمكن أن يوفر ذلك للنظام السوري وحلفائه فرصة ذهبية للسيطرة على المزيد من الأراضي في أثناء سير المفاوضات بما يجعلهم مؤثرين بصورة أكبر في مسارها.
الآن وقد عادت الكرة إلى المعلب الروسي الإيراني، فمن المنتظر أن يقوم الجانبان بردة فعل قوية قد تتعدد مستوياتها بدءا بالاعتراض على “الهيئة العليا للتفاوض” والمطالبة بتصنيف حركة أحرار الشام وجيش الإسلام كمنظمتين إرهابيتين، ومرورا بشق صفوف المشاركين في مؤتمر الرياض، وذلك بدفع هيئة التنسيق الوطنية للتنصل ممّا تم التوصل إليه في البيان الختامي وانتقاد المؤتمر، ووصولا أخيرا إلى عرقلة محادثات فيينا بعد أن فشلت الرهانات وتعثرت الخطة.
(المصدر: العرب 2015-12-12)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews