الحرب في باريس
«عمل من أعمال الحرب».. هكذا وصف الرئيس الفرنسي الهجمات الإرهابية التي استهدفت بلاده، أول من أمس. بالتأكيد هو وصف لا يبعد عن الحقيقة، ليس لعدد القتلى غير المسبوق في تاريخ العمليات الإرهابية في الجمهورية الفرنسية فحسب، بل للرعب الذي بثه الإرهابيون في أوساط المجتمع الفرنسي وكذلك في أنحاء العالم، باعتبار أن كل مواطن في أي بقعة في القارات الخمس هو هدف محتمل للإرهاب. ولعل الخبر الإيجابي الوحيد في هذا الهجوم أن كل المتابعين عرفوا من هو المنفذ للعمليات قبل الإعلان عنه رسميًا من قبل تنظيم داعش، فالعدو الأول للعالم اليوم هو التنظيمات الإرهابية التي تقودها «داعش» و«القاعدة» ممن يحملون نفس الفكر المتطرف، غير أن الحرب ضدهم تتباين من دولة إلى أخرى.
ومع الصدمة التي عمت العالم، ليلة أول من أمس، مع توالي الأخبار السيئة من باريس، لا أظن أن هناك من توقع يومًا عدم حدوث هذه الهجمات الدامية هنا أو هناك، تستهدف مجلة في باريس لا يقرأها أحد، لتتوجه بعدها وتفجر مسجدًا في السعودية، ثم تنتقل إلى تركيا أو مصر أو أستراليا، وهكذا كل دول العالم أصبحت هدفًا للتنظيمات الإرهابية التي تعيش في عالم لوحدها، مع استثناء إيران التي لا تقترب منها «داعش»، كما لم تقترب منها سابقًا شقيقتها «القاعدة». بالطبع هذا الوقت ليس وقت اللوم لمن تراخى في محاربة الإرهاب أو استغله استخباراتيًا أو سياسيًا، أو اعتقد أن الحرائق ستشتعل وتنطفئ بعيدًا عنه، ومع ذلك فإن الإرهابيين يقدمونها صريحة ودون مواربة بأن إجرامهم ليس له سقف إطلاقًا، كأولئك الذين رسموا سياساتهم على معادلة أن ساحة الإرهاب ستبقى محصورة في البؤر الساخنة، مثل العراق وسوريا، وها هي الأراضي الفرنسية تنضم مجددًا لتكون ضحية أخرى لعدم توفر إرادة دولية حازمة تجزم بأن الحرب على الإرهاب غاية وهدف استراتيجي حقيقي، وليس فقط توصيات وخطبًا رنانة لا تنعكس فعليًا على الأرض، وليس مثلاً قرار أكبر دولة في العالم بإرسال عشرات الخبراء لمواجهة أخطر تنظيم إرهابي في العالم!
لعل السيئ هنا ضرورة الاعتراف بأن على العالم التعايش مع التفكير الخبيث للإرهابيين، ما داموا لا يزالون يتنفسون بحرية، فلن يستطيع راكب القطار في لندن التوقف عن استخدامه على الرغم من علمه بأن هناك احتمالاً واردًا بحدوث عمل إرهابي، كما لن تتوقف حركة السفر بمطارات نيويورك مهما ارتفعت احتمالات التعرض لعمل تخريبي. للأسف هذه ضريبة يدفعها الأبرياء بسبب أن بعض كبار سياسيي العالم لم يأخذوا التحذيرات من خطورة الإرهابيين على محمل الجد أولاً، وثانيًا عندما وضحت خطورتهم الحقيقية على البشرية تم استخدام ملف الإرهاب بطريقة انتقائية سيئة، حتى إن بعض منظمات حقوق الإنسان، التي تدعمها منظمات دولية ودول كبرى، تتعاطى بازدواجية مستفزة وتخلط بين الإرهاب وحقوق الإنسان، فالإرهابي الذي فجر أو حرض في فرنسا، لا يختلف إطلاقا عن إرهابي «القاعدة» فارس آل شويل ولا عن إرهابي العوامية نمر النمر، جميعهم قاموا بالفعل نفسه، وجميعهم يستحقون النهاية ذاتها، بحسب قوانين كل بلد، لا وفق ما تراه وتعتقده تلك المنظمات.
أمس اضطرت طائرة متجهة إلى فرنسا للهبوط في أمستردام بعد تهديد عبر «تويتر». وسواء صدق هذا التهديد أم لا، فإنه في النهاية ربما لن يعرف أحد من أطلقه وأربك العالم به، ومع ذلك فسيستمر الإرهابيون في استغلال أفضل حاضنة تجمعهم وتوحدهم وتوصل رسائلهم، دون أي تدخل نوعي يمنع استغلالهم البشع لوسيلة تواصل اجتماعي رائعة، فهل بعد كل هذا التراخي هناك شك في أن العالم لا يبدو جادًا في الحرب ضد الإرهاب؟!
(المصدر: الشرق الأوسط 2015-11-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews