لا حاجة لاختراع شرق أوسط جديد
لم يكن الشرق الأوسط إلا مصطلحا سياسيا استعمله مبتكرو الجغرافيا الوهمية لتمرير لعبتهم التي كان بعض العرب يعتقدون أنها خبيثة.
أما حين صار الحديث عن شرق أوسط جديد يتسع ويأخذ مديات عملية، فقد كبرت الريبة وصار الخوف من تقسيم المقسّم يرافق ردود الأفعال، مما أوقع الكثيرين في سوء فهم مستديم.
صحيح أن بعض العرب كان قد تبنى، عن قصد مسبق أو بشكل عشوائي، مصطلح الشرق الأوسط الجديد في المنتديات الفكرية واللقاءات الفنية، غير أن ذلك البعض كان يحتاج دائما إلى إلحاق جملة “ودول شمال أفريقيا” لكي يشير إلى العالم العربي بطريقة مواربة.
الآن لم يعد ذلك الإلحاق ملزما لأحد. فالشرق الأوسط نفسه لم يعد موجودا. الدولتان العربيتان الكبيرتان فيه مُحيتا تقريبا أو هما في الطريق إلى ذلك.
فإذا ما نحيّنا جانبا دول الخليج العربي كونها تمثل منظومة سياسية خاصة، ومصر لما تثقلها من أعباء اقتصادية ولما تتجاذبها من استقطابات سياسية، لا يبقى أمامنا سوى العراق وسوريا وهما بلدان محطمان، لا يأمل أحد في قيامهما مجددا في الزمن المنظور.
فأين يقع ذلك الشرق الأوسط الجديد الذي كان البعض يحذر من ولادته؟
كان الخوف من تطبيع الاعتراف بإسرائيل من غير المرور بدهاليز السياسة هو ما يقلق الكثيرين، وهم يراقبون علو الشأن الجغرافي على حساب ما أمنوا به من مسلمات سياسية. كانت عقدة سايكس بيكو تدعو البعض إلى التحذير من سايكس بيكو جديدة.
إضافة إلى اسرائيل هناك إيران وتركيا، الجارتان اللتان لا تكف عقدهما التاريخية عن دفعهما إلى ضرب الخاصرة العربية، فلم تنفع المحاولات التي بذلها العرب من أجل الوصول إلى التسليم بالجوار الصامت وهو أضعف الإيمان.
كان الظن كله ينصب على أن مشروع الشرق الأوسط الجديد إنما يهدف إلى إلغاء الحاجز العروبي واختراع منطقة سياسية جديدة، تكون إسرائيل وتركيا وإيران جزءا منها، انسجاما مع منطق الجغرافيا.
كان خوف العرب يفسره شعورهم بأنهم المستهدفون من تلك الطبخة بسبب كونهم الطرف الذي سيتم استضاعفه عن طريق تهميش أواصر القربى التي تجمع بعضهم بالبعض الآخر. ولكن ما الذي فعله العرب في مواجهة كل تلك المخاوف؟
لقد فعلوا كل شيء من أجل أن لا تكون هناك حاجة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد. فعن طريق الانتحار الذاتي استطاع العرب أن يستضعفوا أنفسهم بأنفسهم، بحيث صار الغزو الأميركي للعراق قدرا لا راد له، وصار تدمير سوريا يتم بذريعة التخلص من النظام الحاكم فيها.
لا تركيا ولا إسرائيل ولا إيران كانت قادرة على اختراق العالم العربي لولا أن العرب قاموا بفتح أبوابهم للغرباء، لكي يكون لهم موقع الصدارة في البحث عن حلول لمشكلات أغرق العرب فيها أنفسهم، بحيث صاروا عاجزين عن رؤية أسبابها وسبل الخروج منها.
كانت فكرة الشرق الأوسط الجديد تقوم على توليفة مختبرية، يكون العرب جزءا منها، وهو ما لم تعد الحاجة إليه موجودة أصلا.
فالدول العربية التي كان يُراد جرّها إلى ذلك المشروع، لم تعد موجودة، أو هي في حالة من الخواء السياسي التي لا تؤهلها للتعبير عن وجودها برأي مختلف.
إن حجم الأزمات التي تعيشها بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان وحتى مصر والأردن، بالرغم من استقرار النظام السياسي فيهما، لا يسمح لها في أن تقف في مواجهة أي مشروع إسرائيلي أو إيراني أو تركي يمكن أن يلحق الضرر بها.
العرب اليوم خارج المعادلة الإقليمية. لم يطردهم أحد من تلك المعادلة بقدر ما أطردوا أنفسهم بأنفسهم. ما كانوا يخشونه من انضمامهم إلى شرق أوسط جديد لم تعد له حاجة. لقد سبقهم الزمن إليه.
(المصدر: العرب اللندنية 2015-10-30)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews