سوريا وروسيا والغرب والضحك على اللحى
يعتقد كثيرون بأن المداولات والمناقشات واللقاءات التي تعقد هنا وهناك ، بل والبيانات والتصريحات المنفردة والمجتمعة بشأن بقاء أو رحيل الأسد سيكون لها حظ من التحقق ، أيا كانت : بقاءه أم ذهابه .
كما ويعتقد هؤلاء بأن الغارات الروسية والتدخل الإيراني البري المرتقب سيجعل من سوريا أرضا للبن والعسل ، في حال القضاء على الثورة بالقوة ، مع أن تحقيق هذا الهدف من سابع المستحيلات .
وإذا كانت بعض الدول الداعمة للثورة السورية بدأت تغير لهجتها وتبدل فعلها ، وأيضا ، إذا كانت المحاور تتعدد ، والإتجاهات تتناقض وتتقاطع ، فإن الذي لم يتغير أبدا هو حجم التكالب والتآمر الذي تتعرض له سوريا الثورة ، وسوريا الشعب وسوريا البلد .
قلنا ولا زلنا نقول : إن ما يجري في سوريا يتعدى بقاء الأسد إلى بقاء سوريا ، وإذا لم يقل أحد للآن طبيعة ما يطبخ في الكواليس ، فإن رجلا مثل حسن نصر الله ، لا يتحدث إلا بموافقة إيران ، قال السبت : إنه سينتصر في سوريا ، متجاهلا الوجود والقصف الروسي ، ولا زال يتحدث بذات اللهجة وعن نفس الهدف ، مع أنه وإيران وميليشياتهما العباسية والفضلية والعصائبية والأفغانية والباكستانية وغيرها من شذاذ الطائفية الإثني عشرية هزموا في الحرب ( أتحدث عن مبايعي الولي الفقيه وليس المذهب الشيعي ) ولكنها المكابرة الفارغة ، مما يؤكد بأنه وبعد التدخل الروسي ، فإن الهدف هو نفسه ، وأن كل هذه السنوات التي عاشتها سوريا ، كانت بتدبير مدبر ، وتخطيط مخطط .
وإذا كانت إيران تبث صورا لقتلاها من جنرالات يسقطون تباعا في سوريا ، فإن هذا ليس جريا على عادتها ، وليس من ديدنها ، أما الآن ، وبعد أن باتت سماء سوريا وبحارها رهينة بأيدي " الحلفاء الألداء " فإنها - أي طهران - تسابق الزمن لتقول للجميع : نحن هنا ، وإن لنا ضحايا لن يذهبوا سدى ، ودماؤهم لن تتبخر هدرا ، والهدر بالنسبة للدولة الفارسية العنصرية الصفوية ، هو حصتها في هذا البلد ، وغنيمتها من هذه الجغرافيا ، أيا كانت القوى الضاربة فيها ، والفاعلة على ساحتها ، وها هم الروس يؤكدون حضور حلفائهم الصفويين لأي مداولات تتعلق بسوريا .
لا تصدقوا كل هذه التحركات ، وكل هذه التصريحات عن حل سياسي ، سواء انطلق هذا الحل من جنيف 1 أو جنيف 2 أو جنيف 3 أو موسكو 1 وموسكو 2 و100 ، فلقد سبق السيف العذل في مطبخ القرار، ولكن :
هل تستطيع الثورة السورية التي تسعى للوصول إلى سوريا جامعة موحدة غير طائفية ديمقراطية مسالمة الثبات أمام مخططات دولية كبرى ؟.
صفحات التاريخ القريب تكشف هزائم أمريكا ( حروبها التقليدية أمام الشعوب وليس الجيوش ) في أفغانسان ، والعراق ، بل والصومال ، مما يعني بأن مخططات الكبار ليست قدرا ، ومما يعني أيضا بأن روسيا والسيخوي والطيران الليلي والصاروخي ، سواء الذي أصاب هدفه أم ذلك الذي سقط في الأراضي الأيرانية ، ليس مكتوبا في اللوح المحفوظ ولا يمكن تغييره أو تبديله أو مقاومته ، وأفغانستان والإتحاد السوفيتي مثال لاحب ، ولكن فشل المخططات الكبيرة لا يكون إلا بمقاومة شعوب كبيرة على جراحها ، وآلامها .
الشعب السوري عظيم وكبير ويريد ان يكون حرا ، وبقاء الأسد ستة أشهر كما يقترح البعض ، أو سنة ، ليس سوى حرق للوقت والأعصاب ، ولكنه أيضا - إنفاذ للمخطط ، واختصار للتفاصيل .
كيف أمكن للأسد أن يصل موسكو ويعود إلى اللاذقية دون علم الأستخبارات الغربية ؟ .
أبلغني خبير استراتيجي ، حصل على رتبة فريق ركن ، وهو الآن متقاعد ، أنهم كانوا يدرسونهم في الولايات المتحدة ، بأنه من غير المسموح - أمريكيا - كشف أي تكنولوجيا عسكرية أمريكية إلا بعد مضي 20 عاما على ابتكارها واستخدامها ، ولنا في كشف الولايات المتحدة للأنترنت خير مثال.
الطائرات الأمريكية التي قصفت العراق في العام 1990 استخدمت الليزر ، واليورانيوم المنضب ، وقريبا سمعنا عن استخدام المقاتلات الروسية الليزر ، ولم نسمع بعد ، سوى عن "العنقودي " الذي تدك به المدن السورية .
وأيضا : بوتين حذر من أن تزويد المعارضة بصواريخ أرض - جو ، قد تستخدم كذلك ضد الطائرات الأمريكية ، وهو يدرك بأن طائراته الحديثة بالإمكان إسقاطها بصواريخ من على الكتف ، إن تعلق الأمر بالتكنولوجيا الأمريكية التي لن تأتي للأسباب التي ذكرناها ، فالتصريحات للإستهلاك فقط ، وهو يعتقد - اي بوتين - بلا شك ، بأن " ستينجر " التي جربها السوفييت في أفغانستان كانت ضد السمتيات وليس المقاتلات ، فما بالك ونحن الآن على ابواب شتاء العام 2015 .
هو متفق بالمطلق مع خصومه الكبار ، ولكنه يخشى العاديات والمحدثات والغدر .
إنه مما لا شك فيه أبدا ، أن التكنولوجيا الأمريكية العسكرية ، وغير العسكرية ، وخاصة الإتصالات منها التي يعتبر الأمريكان أسياد العالم فيها ( إذا استثنينا الجواسيس ) كانت على علم - بالتأكيد بزيارة الأسد ( غير المفاجئة ) للكرملين ، وإذا قال قائل بغير ذلك فعليه مراجعة تنصت الإستخبارات الأمريكية على مكالمات زعماء العالم الحصينة المحصنة بمن فيهم الحلفاء ، فما بالك بالخصوم ، وهذه قضية باتت من المسلمات ، وهو أمر لا يتناقض مع ما قلناه بأن أمريكا هزمت ، فالحرب مع الشعوب هي غير الحرب مع الجيوش النظامية والدول .
وراء الأكمة ما وراءها ، والتنسيق الروسي مع كل دول المنطقة بات حتما مقضيا ، فالكبار يلعبون بموافقة الكبار أنفسهم ، والبسطاء ساهمون مندهشون .
قبل أن أختم هذه العجالة ، أذكر بمقترح جون كيري الذي أطلقه السبت لوقف الإنتفاضة في الأقصى و فلسطين ، فلقد اقترح الرجل أن تشرف الأوقاف الإسلامية على دخول المصلين المسلمين إلى المسجد .
أي تكريس التقسيم :المسلمون للصلاة ، وغير المسلمين وعلى رأسهم اليهود للزيارة .
لماذا قامت الإنتفاضة إذن ؟.
إنهم يضحكون على اللحى ، والمحزن أن هذا الضحك ، يجيء بموافقة أصحاب اللحى أنفسهم ، مما يؤكد بأنها سياسة أفضت إلى أن يكون 70 % من مشردي العالم مسلمون من أهل السنة ، وفق تقارير أممية .
أعود للتذكير كما ذكرت من قبل ، أن أغلبية السوريين مسلمون .
مسلمون "من أهل السُنة " !.
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews