تقسيم سوريا .. وتركيا أيضا
إعلان الولايات المتحدة أنها ليست بصدد إنشاء أي منطقة آمنة في سوريا ، وبأنها ستزود وحدات الحماية الكردية بالسلاح والذخائر ، ليس مفاجئا ، ذلك لأن الموقف الأمريكي من هذا الأمر كان واضحا منذ البداية ، رغم أن الأتراك كانوا يتحدثون بلغة أخرى .
قلنا في المقال السابق إن الأكراد لن يتعرضوا لأي هجمات بالطيران الروسي ، وهذا تحصيل حاصل ، وقلنا ايضا بأن الولايات المتحدة ستواصل دعمهم ، ولكن لم يكن قد صدر بعد " رسميا " مثل هذا القول الذي أطلقه الأمريكان الجمعة ، وأغضب المعارضة السورية والشعب السوري قبل أن يستدرك البنتاجون موقفه ويعلن أن المعارضة ستتلقى الدعم أيضا .
الجارديان البريطانية ، نقلت السبت عن مسؤول أمريكي بأن الولايات المتحدة ستنقل مراكز تدريب المعارضة من دول الخليج والأردن إلى تركيا ،بمعنى أنها ستوقف عمل هذه المراكز وستعتمد مركزا واحدا للتدريب داخل تركيا فقط ،في نفس الوقت الذي تسمح فيه للوحدات الكردية المسلحة ( عدو تركيا ) بإقامة عشرات المعسكرات التدريبية في المناطق التي تحتلها من سوريا .
وحدات الحماية الكردية المذكورة (YPG) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)بزعامة صالح مسلم ، هي التي تقوم بتهجير العرب من قراهم ، وبتكريد المنطقة تمهيدا لإعلان استقلالها عن الوطن السوري ، فكل المعطيات تقول : إن هناك مشروع تقسيم لسوريا يبدأ بالأكراد ولا ينتهي بالجيب العلوي في الساحل ( سوريا المفيدة ) ، وبمناطق سنية معزولة ومحاطة بالأعداء ، بالإضافة إلى جيب درزي في الجنوب : أعداء سوريا ووحدتها سيحاولون فعل ذلك لأن روسيا لا يمكن ان تقبل بان يحكم " السنة " دمشق ، وهو ما صرح به لافروف نفسه منذ سنوات ،وأيضا ، لا يمكن للغرب أن يقبل بحكم متطرف يقوده أصوليون ، بغض النظر عن مسماهم ، وهذا المشروع - التقسيم - هو مشروع في النهاية ، وقد أفشل شبيهه السوريون من قبل ، ولكن هل اللحمة السورية الآن هي ذات اللحمة كما كانت عليه في الثلث الأول من القرن المنصرم ؟ .
من قرأ ردة فعل حلف الناتو على اختراق المقاتلات الروسية لأجواء تركيا ، حدود الحلف الجنوبية - يدرك بأن القضية كبيرة ومعقدة ، حيث لا حلف أطلسيا بدون الأمريكان ، والأمريكان معروفة مواقفهم من التدخل الروسي والتي انتهت بتصريح الجمعة ، وهو تسليح الأكراد لقتال تنظيم الدولة " داعش " وما عدا ذلك فذر للرماد في العيون .
عقب تفجيرات أنقرة الإرهابية التي ضربت السبت تجمعا سلميا ، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 100 قتيل و200 جريح ، (الإحصائية قابلة للزيادة ، لوجود 24 شخصا جراحهم خطرة ) خرج أردوجان السبت ببيان رئاسي اعتبر فيه أن هذا الهجوم يستهدف " وحدة تركيا " وهو تصريح واضح لا لبس فيه ، عن أن هناك مشاريع تستهدف وحدة الأرض التركية والشعب التركي ، ويحدث كل هذا بينما تخوض تركيا حربا مفتوحة على حزب أوجلان ولا تلقى دعما حقيقيا من شركائها الأوروبيين ، مما يعني بأن أوروبا موافقة على ولوج تركيا هذا المنعطف ، ومتواطئة مع الاكراد في حربهم " القومية " ما لم تظهر مواقف دعم عملية لعضو أساسي في الحلف .
منذ العام 1952 ، عام انضمام الاتراك للناتو ، فإن هذا الحلف هو الذي وقف وراء الإنقلابات العسكرية التي كانت تضرب تركيا بين الفينة والأخرى ، كما وإن الحلف ، هو الذي كان يقف وراء الجيش في تحدي الحكومات الديمقراطية المنتخبة ، بل إن دراسات تركية مستقلة ، وأخرى غربية محايدة ، تؤكد بأن هذا الحلف هو الذي يبارك الإنقسامات الخطيرة بين فئات الشعب التركي ، وهو من كان يدفع بالأزمات الإقتصادية إلى الواجهة ، حيث لم تكن تركيا سوى حاجز طبيعي أمام المد السوفيتي في حينه ، بل إنه ما من دراسة وثقت أي شيء ذي معنى قدمه الحلف لتركيا عبر تاريخه ، ليجيئ الإختبار الأخير وتخترق الطائرات الروسية الأجواء التركية ، فيجتمع الحلف ويتوعد بإرسال قوات لحماية حدوده وكفى .
يضحك مراقبون عندما يقرأون تصريحات الناتو وتوعده بإرسال قوات لحماية تركيا ، بينما تسحب الولايات المتحدة صواريخ الباتريوت من حليفتها تركيا قبل التدخل الروسي بأسابيع ، والأمر ليس مصادفة بالتأكيد .
نعرف بأن تركيا وأوروبا بحاجة لغاز روسيا ، ولكن ميثاق الحلف واضح ولا مندوحة من الدفاع عن الحليف ، ولقد حاول أردوجان الضغط بورقة الغاز الروسي ، ملمحا إلى قدرة تركيا في الحصول على الغاز من مصادر غير روسية ، بل وألمح بسحب تركيا من الروس مشروع بناء مفاعلات نووية تركية "مفاعل أوكويو " بكلفة 20 مليار دولار ، إلا أن الروس ألمحوا بدورهم بأن خط الغاز الروسي التركي قد يتحول إلى بلغاريا بدل تركيا ، علما بأن 55 % من غاز تركيا قادم من روسيا ، في حين تغطي إيران 20 % من الإحتياجات ، اي أن تركيا رهينة لهاتين الدولتين ما لم يكن هناك بديل آخر ، لا يمكن أن يكون سوى الغاز القطري ، عن طريق مد أنابيب عبر الأردن وسوريا وتركيا إلى أوروبا ، كبديل تركي وأوروبي عن الغاز الروسي ، ولكن الوضع في سوريا لا يسمح بهكذا مشاريع ، ما يعني بأن الأتراك لا زالوا تحت المطرقة .
ما يجري في سوريا ينعكس حكما على تركيا وعلى عموم دول الجوار ، ولكن الوضع التركي أعقد وأكثر خطورة ، فهناك ميليشيات مسلحة ومدربة جنوب شرق البلاد ، وفي شعاب الجبال في العراق ، وهناك شعب كردي يؤيدها ، وهناك دعم إيراني وروسي لمن هم داخل تركيا وخارجها (اكراد إيران لنا معهم وقفة أخرى)، ومن أجل كل ذلك ، فإن الخوف من التقسيم لن يقتصر على سوريا بل على تركيا ذاتها .
نظرة متفحصة إلى مواقع الوحدات الكردية فسنجدها متاخمة تماما للإقليم الكردي الكبير ، ولم تخض هذه الوحدات أي حروب خارج مناطقها ، وهو ما يكشف أن هذا الإقليم الذي يتصل بكل من سوريا وتركيا والعراق وإيران قد يرى النور بموافقة بعضهم ، أو رغم إرادة البعض الآخر ، وإلا ، فلا بأس من جيب كردي يقتطع من سوريا على غرار إقليم كردستان العراقي .
التفجير الإرهابي في أنقرة ليس آخر المطاف ، بل لعله البداية ، طالما أن صلاح الدين ديمرطاش لم يدن الإرهابيين الذين نفذوه ، بل اتهم الحكومة التركية بالتسبب به والأجهزة الأمنية التركية بالتواطؤ مع منفذيه .
دمرطاش هذا لا يتحدث من رأسه ، بل يتحدث والمسدس في رأسه ، أما حيلة حزب العمال الكردستاني بشأن وقف إطلاق النار في تركيا عقب التفجير فمخادعة مكشوفة .
إذا لم يتنبه الأتراك لما يحاك لبلدهم ، فإن الايام القادمة صعبة بالتأكيد ، ولا يغرنهم عضويتهم في الناتو ، ولنتذكر دائما بأن عدو تركيا والمحرض عليها في الجناح السوري هو صالح مسلم ، المتاخمة حدوده لحدودها .
صالح مسلم ، زعيم حزب العمال بـ " الطاقية " السورية ، الحالم بدولة كردية جامعة ، أين يقيم ؟؟ ..
إنه يقيم في بروكسل ..
بروكسل لمن لا يعرف ، هي مقر قيادة حلف الناتو .
مفارقة ، اليس كذلك !.
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews