اتفاق جنوب السودان.. حبرٌ على ورق
إذعاناً لتهديد الأمم المتحدة بفرض عقوبات، وقّع رئيس جنوب السودان، سلفا كير مُكرهاً، يوم الأربعاء 26/ 8، اتفاق سلامٍ تاريخياً، يتنازل بموجبه عن سلطة كبيرة لعدوّه اللدود، زعيم المتمردين، رياك ماشار، كجزء من ترتيب لتقاسم السلطة، يهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية التي تعصف بالبلد الوليد، منذ 20 شهراً.
قبل أن يضع «كير» قلمه على الورق، وقّع بالأحرف الأولى، وثيقة من 12 صفحة، منفصلة عن الاتفاق ذاته الذي يقع في 75 صفحة، تتضمن قائمة تحوي 16 تحفّظاً على اتفاق السلام، وتظلمات وشكاوى أخرى، تلقي بظلال شكٍّ على التزامه بالاتفاق، وقد شملت التظلمات كل شيء، من شكوى حول الطريقة التي وُصف بها اللقب الكامل للرئيس كير في اتفاق السلام، إلى طلبٍ بأن توضع أموال إعادة الإعمار المنبثقة من الاتفاق، تحت سيطرة وزير المالية، لا تحت سيطرة مسؤول أجنبي.
وقال «كير»، إن بعض بنود الاتفاق تحتاج إلى تصحيح، وقال، إن الاتفاق «ليس الكتاب المقدس، وليس قرآناً».
وأضاف قائلاً: «مع كل التحفظات التي لدينا، سوف نوقع هذه الوثيقة.. ولكني أنبّهكم، يا زعماء المنطقة، إلى ضرورة وقوفكم معنا في التنفيذ؛ وإلاّ فقد نفسِد كل شيء إذا تُرِك الأمر لنا».
ومع ذلك، فإن «كير» بإضافته توقيعه إلى الوثيقة، كسب وقتاً، وتفادى التحرك من جانب مجلس الأمن الدولي لفرض جولة جديدة من العقوبات على جنوب السودان، من بينها حظر الأسلحة، واتخاذ إجراءات موجهة ضد أفرادٍ مرتبطين بالحكومة.
قال أحد الدبلوماسيين في مجلس الأمن، «إن كير قد وقّع، ولكنْ مع تحفظات، ولا أعتقد أن الفرصة قد أتيحت لنا لتحليل ما يعنيه ذلك، ومدى صدْق ذلك التوقيع.. وسوف يسعى مجلس الأمن إلى فهم الأمر قبل أن نبحث عن ردّ، ولكن الحاجة الملحة إلى اتخاذ قرار ربما تكون قد انتفت، لأن ذلك كان يتعلق بالضغط على كير «لكي يوقّع».
وقّع كير اتفاق السلام في حفل أقيم في جوبا، عاصمة جنوب السودان، حضره الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، والرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، ورئيس الوزراء الإثيوبي، هيْلي ماريام ديسالين، وقالت مستشارة الأمن القومي الأمريكي، سوزان رايس، في تصريح أدلت به يوم الأربعاء الماضي، إن واشنطن رحبت بقرار كير التوقيع على الاتفاق، ولكنها لا «تعترف بأي تحفظات أو إضافات إلى ذلك الاتفاق»، وأضافت أن تنفيذ الاتفاق، هو «مكمن بدء العمل الشاق».
ويدعو الاتفاق إلى وقف فوري للقتال، ويطالب قوات الحكومة والمتمردين بالعودة إلى ثكناتها خلال 30 يوماً، والبقاء فيها، ويتعيّن على القوات الأجنبية، بما فيها معظم القوات الموالية للحكومة من أوغندا، أن تغادر البلاد في غضون 45 يوماً، ولكن الاتفاق، سوف يسمح للقوات الأوغندية بالبقاء في ولاية أكواتوريا الغربية، حيث تتعاون القوات الأوغندية وقوات جنوب السودان في مسعىً لمحاربة «جيش الربّ للمقاومة».
ومن المرجح أن يعيد الاتفاق زعيم المتمردين، رياك ماشار إلى شغل منصب نائب الرئيس، الذي كان يشغله قبل اندلاع القتال في جوبا في ديسمبر/كانون الأول 2013، وكان العنف، الذي بدأ على هيئة تناحر سياسي بين كير ونائبه، ماشار، يومئذٍ، سرعان ما تطوّر إلى حرب أهلية على أساس عرقي، أودت بحياة أكثر من 10 آلاف شخص، وأنذرت بإغراق البلاد في مجاعة جماعية.
وقد أشارت حكومة جنوب السودان، إلى أن أحد أكبر هموم كير المتعلقة بالاتفاق، الذي كان أشمل من اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة، هو نزع السلاح من جوبا، ف«تلك مسألة سيادة»، وَفقَ الوثيقة المكونة من 12 صفحة، التي وقّعها كير إلى جانب اتفاق السلام، والتي أجملت تحفظات حكومته على الاتفاق.. و«مسؤولية الجيش هي أن يحمي بلاده، وشعبه وقيادته». وقالت الوثيقة، إن الجيش الوطني في جنوب السودان، ينبغي أن يُسمح له بالبقاء في مقراته.
وكان ماشار أقلّ تردّداً إزاء الاتفاق: فقد وقّعه في الأسبوع الماضي، على الرغم من أن كير رفض في ذلك الوقت الموافقة على الاتفاق برمته، واكتفى- بدلاً من ذلك - بالتوقيع بالأحرف الأولى على فقرات معينة فقط.
وقد خفف من بهجة احتفال اتفاق السلام، أن الأطراف المتنافسة قد خرقت بصورة متكررة الاتفاقات السابقة على وضع السلاح جانباً، فقد تم التوصل إلى ما لا يقل عن سبعة اتفاقات لوقف إطلاق النار عبر مسيرة الصراع الدائر منذ 20 شهراً في الدولة الأحدث نشأةً في العالم، وكان جنوب السودان قد انفصل عن السودان عام 2011، بدعمٍ قوي من الولايات المتحدة، وأعلن نفسه دولة مستقلة.
وقد تدهورت الأوضاع الإنسانية منذئذٍ تدهوُراً حادّاً، قال ستيفن أوبرين، منسق الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الطارئة، لمجلس الأمن يوم الثلاثاء، إن أكثر من 2.2 مليون شخص قد شُردوا خلال الصراع المستمرّ منذ 20 شهراً، مع فرار أكثر من 600 ألف شخص من البلاد، وسعي نحو مئتيْ ألف آخرين للحصول على الحماية بالقرب من قواعد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وقال: «إن الجوع الشديد، سيكون من الأخطار التي تتهدد الناس في العام المقبل، وخصوصاً إذا استمرّ القتال».
وتأتي أخبار اتفاق السلام، بعد يوم واحد فقط من صدور تقرير لخبراء من الأمم المتحدة، يدّعي أن جنوداً من جنوب السودان، استهدفوا المدنيين في الشهور الأخيرة، بإحراقهم أحياءً في منازلهم، واغتصاب النساء، وخطف الأطفال، ووفق ما جاء بالتقرير، كانت القوات الحكومية «عازمة على جعل الحياة الاجتماعية غير قابلة للعيش، ومنع أي عودة إلى الحياة الطبيعية بعد العنف».
وقال خبراء الأمم المتحدة إن العنف قد اشتدّ منذ أنْ تحرّك مجلس الأمن في مارس/آذار نحو فرض عقوبات ضد مواطنين من جنوب السودان متهمين بمعارضة السلام.
«كما تصاعدت عرقلة المساعدات الإنسانية وعمليات حفظ السلام منذ تبنّي قرار العقوبات، ويتعرض العاملون في المجال الإنساني، وأفراد بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، بانتظام للهجوم والاعتداء والمضايقة والاحتجاز والترويع والتهديد.
وقد حذر مجلس الأمن الذي يضمّ 15 دولة، «كير» يوم الثلاثاء، قائلاً: إن من الأفضل له أن يوقع الاتفاق، أو سيواجه عقوبات جديدة، وبعد اجتماع مغلق لمجلس الأمن، قالت السفيرة النيجيرية، جوي أوغوو، التي تشغل منصب رئيس المجلس في شهر أغسطس/آب، إن المجلس كان على استعداد لفرض تدابير ضد جنوب السودان، لو أن كير تقاعس عن التصرف على الفور.
وهددت الولايات المتحدة، قبل يوم من توقيع كير على الاتفاق، بتقديم قرار من شأنه أن يفرض حظراً على الأسلحة لجنوب السودان، كما هددت بفرض عقوبات على مسؤولين كبار في الحكومة.
كل ذلك، حمل «كير» إلى التوقيع على اتفاق السلام، ولكن وثيقة التحفظات والتظلمات التي أرفقها مع التوقيع، تجعل صمود الاتفاق أمراً مشكوكاً فيه.
(المصدر: الخليج 2015-09-02)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews