هكذا تسعى إسرائيل لضبط الميزان الديمغرافي
عندما أعلن رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" قبل ثلاث سنوات، في خطابه أمام جامعة "بار إيلان"، عن حل الدولتين، جُذبنا إلى هذا الحل، وأصبح شعار نردده في كل مناسبة، مع أن "نتنياهو" لم يكن صادقاً في طرحه، بل أراد منه امتصاص موجة الغضب فلسطينياً وعربياً ودولياً للجمود الذي آل إليه حل القضية الفلسطينية، والتهينا بترديد هذا الشعار، بينما استمر "نتنياهو" بنهب الأراضي الفلسطينية، وزرعها بالمستوطنات، حتى وصل الأمر بإغلاق السبيل لهذا الحل، ولم يبق أرضاً لإقامة الدولة الفلسطينية عليها، في وقت اصطدم هذا الحل بمعارضة من اليمين الإسرائيلي، ومن حزب "نتنياهو" الحاكم حزب الليكود، وما كشف خداع "نتنياهو" أنه لم يطرح حل الدولتين أمام حكومته، ولا أمام الكنيست مما أكد بأن طرحه للخداع والتضليل وشراء الوقت.
إن الطروحات الإسرائيلية للحل كثيرة، لكنها مع وقف التنفيذ، فالرئيس الإسرائيلي، "رؤوبين ريفلن"، وبمناسبة مرور عام على رئاسته، بق الحصوة بإعلانه أن حل الدولتين غير قابل للتطبيق، وبدلاً من الاعتراف أن "نتنياهو" لم يكن جاداً في طرحه لحل الدولتين، برر كلامه بأن الفلسطينيين لن يقبلوا به، لأنه يرسخ وجود دولة عظمى هي إسرائيل، مقابل حكم ذاتي ناقص، فإنه يتقدم بطرح جديد سبق أن طرح بإقامة كونفدرالية إسرائيلية-فلسطينية دون ترسيم حدودها، كحل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، موضحاً أنه لا يرى أي إمكانية للسلام، إن لم تكن هناك حدود مفتوحة لهذه الكونفدرالية، فهو لم يطرح دولة ثنائية القومية، بل حكم ذاتي ناقص للفلسطينيين، لكن ريفلين الليكودي ضد حل الدولتين، ويتبنى أيديولوجية أرض إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين، ويؤيد ضم الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، ومنح جزء من الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية، ويتذرع "ريفلين" بأن إسرائيل تعاني من أزمة قيادة، فإنه لا يشعر بأن القيادة الإسرائيلية الحالية تعمل بشكل صحيح، فهل يريد تقديم نفسه كقائد بديل؟
إن الحل للأزمة الإسرائيلية بحاجة إلى إنهاء الاحتلال، والتخلي عن الأطماع الإسرائيلية، والاعتراف بالحقوق المشروعة التي نصت عليها قرارات الهيئات الدولية للفلسطينيين، ودون ذلك فإن الأمور ستبقى تراوح مكانها فهل "ريفلين" على استعداد للالتزام بذلك؟
أحزاب الوسط والأحزاب اليسارية الإسرائيلية التي تبنت حل الدولتين، كان في نقاشاتها للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي أن البديل لحل الدولتين هو الدولة الواحدة ثنائية القومية للشعبين، وهذا يفقد إسرائيل طابعها اليهودي الذي يتمسكون به، وأنه مع مرور الزمن فإن الفلسطينيين سيصبحون الأغلبية كمواطنين، وفي الكنيست والحكومة والمؤسسات الأخرى، وبالتالي فإنهم سيسيطرون على القرار السياسي والأمني والاقتصادي في الدولة ثنائية القومية ويعتبرون في نقاشهم مع أبناء جلدتهم، بأن الانفصال عن الفلسطينيين، مصلحة إستراتيجية إسرائيلية، وحسب تقديرات كبير الديمغرافيين الإسرائيليين، البروفيسور "سيرجيو ديلا فيرغولا" من الجامعة العبرية، فإن عدد اليهود حالياً يقل عن نصف عدد السكان بين النهر والبحر، أي في فلسطين التاريخية، موضحاً أن عدد السكان اليهود في البلاد-يشمل مرتفعات الجولان، الضفة الغربية وشرقي القدس، واللاجئين الأفارقة- ليصل إلى (12) مليون ونصف المليون نسمة، يشكلون بصعوبة 50% فقط، وحتى وإن أعلنا –والقول للبروفيسور المذكور- بأن إسرائيل هي دولة يهودية فقط، إلا أن معظم السكان ليسوا يهوداً، وهذا معطى محرج للغاية-حسب البروفيسور.
إن عدد سكان إسرائيل حالياً يبلغ (8.345.000) نسمة منهم (6.251.000) يهود يشكلون (74.9%)، بينما يبلغ عدد العرب (1.730.000)، يشكلون (20.7%)، أما عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية فيبلغ (389) ألفاً، وفي القدس الشرقية (200) ألف، وحسب الدائرة المركزية للإحصاء الإسرائيلي، فإنه في عام (2016) سيتساوى عدد اليهود والفلسطينيين في فلسطين التاريخية، وفي نهاية عام (2020) حسب دائرة الإحصاء الإسرائيلية، سيكون عدد اليهود في فلسطين التاريخية (6.8) مليون، مقابل (7.2) مليون فلسطيني، فهناك حرب أرقام، وحرب ديمغرافية ورغم مرور (67) عاماً على إقامة إسرائيل، فإنها تعيش مأزقاً سكانياً، ولذلك فإنها تسعى لاستيعاب المزيد من المهاجرين اليهود، في المقابل تسعى إلى تهجير المزيد من الفلسطينيين، فإسرائيل تعيش حرباً ديمغرافية لا تريد الاعتراف به جهاراً، وستصبح دولة "أبرتهايد" عنصرية.
إن من بين أهم أهداف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وانتزاع أراضي الفلسطينيين، وفرض إجراءات احتلالية عليهم هو حملهم على الرحيل من خلال مضايقتهم وإغلاق أبواب الرزق أمامهم، إضافة إلى ملء الأراضي الفلسطينية بالمستوطنين، كأحد الأهداف في توازن السكان، مع أن مشاريعهم بتوطين (10) ملايين يهودي في الأراضي الفلسطينية، تبدو غير قابلة للتحقيق، ففي عام 2002، وضع رئيس الوزراء في ذلك الوقت "أرئيل شارون" خطة أمنية-استيطانية، لتقطيع الضفة الغربية إلى ثمانية مناطق فلسطينية معزولة عن بعضها، إضافة إلى (64) غيتو فلسطيني، على مساحة 45% من مساحة الضفة الغربية، وبذلك يقيم نظام فصل عنصري، إضافة للحصار المفروض على المدن الفلسطينية، محاطة بـ (46) حاجزاً عسكرياً دائماً، و(126) حاجز طرق متنقلاً، وحسب الخطة التي تمتد إلى طول الخط الأخضر، من منطقة جنين شمالاً، وحتى مدينة الخليل جنوباً، بمساحة قدرها (1328) كيلو متر مربع، تشكل 23.4% من مساحة الضفة الغربية، سيكون فيها (118) مستوطنة لتصبح منطقة أمنية إسرائيلية.
أما المنطقة الأمنية الشرقية، فإنها تمتد على طول نهر الأردن وساحل البحر الميت بمساحة قدرها (1237) كيلو متر مربع، تشكل (21.9%) من مساحة الضفة الغربية، يكون فيها (40) مستوطنة، أما منطقة الوسط، التي تحتوي على المناطق السكنية الفلسطينية، التي قسمت حسب اتفاق أوسلو إلى (أ) و(ب) و (ج) فيها (64) غيتو، محاطة بـ (46) حاجزاً عسكرياً دائماً، و(126) طريقاً مغلقة، وأن مساحة هذه المنطقة (396) كيلو متر مربع، فإن عدد المستوطنات داخل المناطق الأمنية تبلغ (158) مستوطنة، من أصل (223) مستوطنة، ويبلغ عدد السكان الفلسطينيين داخل المناطق الأمنية (267) ألف فلسطيني يشكلون (17%) من عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية محاصرون ويعيشون في غيتو، يضاف إلى ذلك جدار الفصل العنصري.
حسب جميع الإشارات والتحليلات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية، فإن حكومة "نتنياهو" تجاوزت كل التوقعات السيئة، وستؤدي بالإسرائيليين إلى الهاوية، وأن هذه الحكومة تسير بسرعة (200) كم في الساعة في طريق مغلق، وهي تعتبر الانسحاب من الضفة الغربية خطراً كبيراً ولا يساوي اتفاق سلام مهما كان، فالسياسة الإسرائيلية الرسمية قائمة على عدم حل الصراع مع الفلسطينيين، بل فقد إدارته، وأن موضوع إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية غير قائم في أجندتهم، وأن الدولة الفلسطينية يجب إقامتها في قطاع غزة، ومشاريع كثيرة لإقامتها وتوسعها على حساب أراضي سيناء، وأن الأمور تسير بهذا النحو، رغم النفي الإسرائيلي ونفي حركة حماس فإن الدلائل والمعلومات الزخمة المتوفرة تسير بهذا النحو.
خلاصة القول ... المعطيات الجغرافية والديمغرافية في الضفة الغربية أنهت بشكل قاطع حل الدولتين، فماذا تبقى؟ إن كل من يعتقد أن المفاوضات مع إسرائيل، ستؤدي إلى الحل فهو جاهل، حتى أن "نتنياهو" قال قبل أيام، أن السلام لا يجري مع الضعفاء، ومن الواضح بأننا ضعفاء، ومع أن القيادة الفلسطينية نجحت على الصعيد الدولي في بعض المكاسب وتأييد دول كثيرة لإقامة الدولة الفلسطينية، لكن لا شيء يجري تحقيقه على الأرض، وعلينا أن نعترف بأن العرب فشلوا بإدارة الصراع العربي الإسرائيلي، كما أن الفلسطينيين فشلوا بإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلم يتبق أمامنا سوى الحرب الديمغرافية، التي تخشاها إسرائيل إذا عرفنا إدارتها، لكن ذلك يحتاج إلى وقت طويل، أو إلى معجزة في زمن انتهاء المعجزات، ولا نعرف على ماذا الاختلافات والصراعات الفلسطينية-الفلسطينية، هل على تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه من مكاسب شخصية، أم على المصالح والمواقع والزعامة؟ مع أن الجميع تحت الاحتلال، ويخضعون لأوامره.
(جي بي سي نيوز - 2015-08-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews