هؤلاء هم شيعة العراق الحقيقيون
أثبتت هذه الأيام أننا كنا على حق في القول بأن الطائفة الشيعية العراقية مغيبة ومختطفة، ومغلوبةٌ على أمرها، وإن الأحزاب التي تحكم باسمها، والمُولدَّة خارج الحدود، والمسلطة على الشعب العراقي إيرانيا وأميركيا، بكل تنظيماتها وميليشياتها، نتوءٌ شاذ وطارئ في جسد الطائفة، زوَّر حقيقتها ولطخ تاريخها وشوَّه سمعتها ووَصمَها، كلَّها، بالتخلف والرجعية والخرافة والعمالة والفساد، وهي ليست كذلك.
صبرتْ كثيرا وطويلا، حتى فاض كيلهُا، وعِيلَ صبرُها، فخرجت من صمتها الطويل، وعادت إلى روحها، وإلى أصلها الطيب المشرِّف، وإلى ريادتها الفكرية والعلمية والثقافية والسياسية التي غيرت بإنجازاتها وتضحياتها حياة العراق، وحياة شعوب المنطقة والعالم، في عصورٍ كثيرة متعاقبة.
فمنها أفضلُ كتّاب العراق، وأهمُ مفكريه ومؤرخيه وشعرائه ورساميه ونحاتيه وممثليه ومطربيه ومعمارييه، وقادة ثوراته وزعماء دولته، في كل عهودها وحكوماتها.
وهي حين تخرج بتظاهراتها الحاشدة، مطالبة، بإسقاط حكم الفاسدين إنما تعلن براءتها من شلة الحكم الطائفي المتخلف، وتقول إن المعسكر الإيراني في العراق لا يمثلها ولا يشرفها. فإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وموفق الربيعي وأحمد الجلبي وعادل عبدالمهدي وحسين الشامي وسامي العسكري وهادي العامري وقيس الخزعلي وحسن السنيد وأحمد نوري المالكي وحسين المالكي وصبحي المالكي وعباس البياتي وبهاء الأعرجي وحنان الفتلاوي وأبو مهدي المهندس وعلي الأديب وصدر الدين القبانجي وعلي العلاق وهمام حمودي وجلال الدين الصغير وعدنان الأسدي، وباقي شلة الطارئين على السلطة وعلى الطائفة، أسقطتهم جماهير الطائفة من حسابها.
كما أن ازدحام شوارع مدن الوسط والجنوب بهذه الأعداد الحاشدة من المتظاهرين، وهي المربط المفترض لخيول النظام الإيراني الطائفية، مثل النجف وكربلاء والحلة والناصرية والديوانية والبصرة وبغداد، وكثيرون منهم متدينون، وغير مسيسين، ولا يعرفون معنى الدولة المدنية، ولا الديمقراطية والعلمانية، هاتفين لأول مرة، بسقوط الأحزاب الدينية الحاكمة، وهم يعلمون بأن وراءها إيران، ثم يمزقون صور الولي الفقيه نفسه، فتلك بطولة وشجاعة وأصالة، وإعلانٌ صريح وأكيد لحرب الوطنية على الطائفية، وحرب الأصالة على العمالة، والسيادة والكرامة على الاحتلال، والعدالة على الظلم، والنزاهة على الفساد.
وإذا صح نبأ حضور المدعو قاسم سليماني اجتماعا للتحالف الوطني، بتدبير من بعض أفراد التحالف، وخصوصا نوري المالكي وإبراهيم الجعفري، لفرض الإرادة الإيرانية على المجتمعين، ولتسوية بعض الخلافات في المواقف، ووقوف حيدر العبادي في مواجهة الموالين لإيران، ولا سيما في ما يخص إقالة المالكي، وعدم السماح للميليشيات الشيعية، وخاصة ميليشيا عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، بركوب موجة المظاهرات، وطرده لقاسم سليماني من الاجتماع، ورفض تدخله في شؤون الحكم العراقي، فهذا يوم مشرِّف لجميع العراقيين.
كما أنه يعني، في الوقت نفسه، أن حيدر العبادي يخرج من بيضة حزب الدعوة الفاسدة، ويعود من حزبيته وطائفيته إلى عراقيته، وتستفيق فيه حمية العراقي وشهامته وشجاعته وإباؤه.
خلاصة القول إن إيران وأميركا أخطأتا حين اختارتا أحزابا وشخصياتٍ وميليشياتٍ فاسدة، بلا خبرة ولا كفاءة ولا نزاهة، لكي تنوب عنهما في خدمة مصالحهما، وتركيع الشعب العراقي ونهب ثرواته ومصادرة كرامته وسيادته، وهو الذي يقول تاريخه إنه صعب المراس، وعصيٌ على الغزاة، أجمعين.
بعبارة أوضح. إن إيران جنت على وكلائها العراقيين، وعجلت بكشف خيانتهم لوطنهم، أولا، ولطائفتهم ثانيا، وقربت عليهم يوم الحساب والعقاب، وبشرت الشعب العراقي بنهاية احتلالها، وحررته من كل وصاية دينية، شيعية وسنية، ووضعته على طريق المعاصرة والحداثة وحكم الجماهير.
ومن يدري، فقد تكون أميركا تعمدت تسليم السلطة لأحزاب الدين السياسي ولإيرانيين، وهي تعلم بأنهم، بفسادهم وجهلهم، سيسقطون على أيدي العراقيين، ثم يكون سقوطهم في العراق بداية النهاية لكل أنظمة الدين السياسي في المنطقة.
وجود قاسم سليماني في العراق يعني أن إيران لم تعد تحتمل ما يجري في محافظات الطائفة، وأنها نازلة بكل جبروتها من أجل حماية مشروعها في العراق، لعلمها، بأن انهيار مشروعها في العراق، بعد خسائرها في اليمن وسوريا، يعني بداية دخولها نفقا مظلما وطويلا سوف يكلفها الكثير.
(المصدر: العرب 2015-08-26)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews