معركة الرئاسة ليست بين مرشحَين بل بين خطين سياسيين في المنطقة
عندما يصر "حزب الله" على القول إن مرشحه هو العماد ميشال عون، وهو الممر الالزامي لانتخاب رئيس للجمهورية، فمعنى ذلك ان ايران لا تريد انتخاب رئيس اذا لم يكن في خطها السياسي، حتى لو أدى الامر الى سقوط الجمهورية، وعندها تقيم جمهورية جديدة لها دستور جديد وربما صيغة نظام جديد.
إن معركة الانتخابات الرئاسية ليست في الواقع معركة بين مرشحين، انما هي معركة بين خطين سياسيين: الخط الايراني ومن معه، والخط المناهض له، وهو ما جعل الدكتور سمير جعجع يقول إنه يرفض رئيسا محسوبا على ايران. وهذا ما كان يشهده لبنان منذ نيله الاستقلال، فالمنافسة بين الرئيس الشيخ بشارة الخوري والرئيس اميل اده على الرئاسة الاولى كانت منافسة بين الخط السياسي الفرنسي والخط السياسي البريطاني. والمنافسة في الانتخابات التي فاز فيها اللواء فؤاد شهاب بالرئاسة كانت بين الخط السياسي الاميركي والخط السياسي البريطاني. والمنافسة في الانتخابات التي فاز فيها الشيخ بشير الجميل بالرئاسة كانت بين الخط السياسي الاسرائيلي والخط المناهض له، الى ان أصبحت الانتخابات الرئاسية لا منافس فيها للخط السياسي السوري، وبانتهاء سيطرة هذا الخط في لبنان برز الخط السياسي الايراني الذي له منافس في لبنان والمنطقة، ولا يزال الصراع قائما بينهما في انتظار حسمه عسكريا او سياسيا.
الواقع أن الدول الشقيقة والصديقة التي تحرص على أمن لبنان واستقراره، ودعت الى انتخاب رئيس توافقي، أي ألا يكون منتميا لا الى 8 آذار ولا الى 14 آذار، لكن ما يحول حتى الآن دون الاتفاق على انتخاب هذا الرئيس هو ايران التي لا زالت تأمل في ان يكون لبنان من حصتها عند اقتسام مناطق النفوذ، أو تجعل منه ورقة مقايضة. هذه هي صورة وضع الانتخابات الرئاسية حتى الآن ولا تغيير فيها الا اذا غيرت ايران رأيها وقبلت ان يبقى لبنان خارج صراعات المحاور وتقاسم النفوذ في المنطقة توصلا للاتفاق على انتخاب رئيس يكون هو ايضا خارج الصراعات السياسية المحلية والعربية والاقليمية والدولية.
لذلك يمكن القول إن مصير الانتخابات الرئاسية في لبنان تقرره ايران، واصرارها على مرشح للرئاسة يكون من خطها السياسي قد يشعل فتنة داخلية. لذا ينبغي الاتفاق على مرشح مستقل يكون انتخابه بداية تحييد لبنان عن صراعات المحاور والسير به نحو النظام السويسري او النمسوي، فيرتاح ويريح. فلا بد اذا من انتظار كلمة ايران في الموضوع لكي يعرف اللبنانيون متى يكون لهم رئيس ومن هو؟
والسؤال: هل تستجيب ايران للمساعي المبذولة لديها بأن تساعد على حل أزمة الانتخابات الرئاسية بمعزل عن حل أزمات دول في المنطقة فلا تربط هذا الحل بحل أي أزمة؟ ان الموقف الايراني ليس معروفا حتى الآن سواء في لبنان او في المنطقة، ربما في انتظار اقرار الاتفاق النووي في الكونغرس الاميركي وفي مجلس الشورى الايراني لمعرفة ما اذا كانت ايران بعد الاتفاق هي غيرها ما قبله، وهل هي مستعدة فعلا لأن تغير سلوكها فلا تظل تتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى وتسلح وتمول مجموعات تهز الاستقرار فيها وتجعلها بالتالي عاجزة عن المشاركة في مكافحة الارهاب.
لقد راهنت الولايات المتحدة الاميركية سابقا تفاديا لحل عسكري في سوريا على جعل الرئيس بشار الاسد يغير سلوكه حيال لبنان فيسحب قواته من كل أراضيه عملا باتفاق الطائف، أو ان ينهي الحرب الداخلية في سوريا بحل سياسي، لكنه لم يغير سلوكه بل راح ينتظر من أميركا أن تغير سلوكها حياله... فلا القوات السورية خرجت من لبنان إلا بانتفاضة شعبية، والحرب داخل سوريا لم تتوقف رغم سقوط مئات آلاف القتلى والجرحى ونزوح ملايين السوريين عن
ديارهم.
هل تتصرف ايران بعد الاتفاق النووي كما تصرفت سوريا الاسد بعد التخلي عن السلاح الكيميائي، فلا تسهل انتخاب رئيس للجمهورية ربما توصل الى اسقاط الجمهورية واقامة جمهورية جديدة بدستور جديد وربما بصيغة جديدة؟ إن اللبنانيين ينتظرون جواب ايران.
(المصدر: النهار 2015-08-24)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews