الإضراب عن الطعام ... السلاح الأنجع للأسرى
السجين الأمني" محمد علان"، البالغ من العمر (30) عاماً، الذي اعتقل إدارياً في شهر تشرين الثاني من عام 2014، المضرب عن الطعام منذ أكثر من (60) يوماً، يخضع مع (379) أسيراً فلسطينياً للاعتقال الإداري، من أصل (5686) أسيراً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية، فالاعتقالات الإدارية التي تعمل بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، دون أن توجه للمعتقل لائحة اتهام، وعندما يعترض محامي المعتقل على عملية الاعتقال أمام المحاكم الإسرائيلية، تتذرع النيابة العامة بوجود معلومات أمنية ضد المعتقل، لا تستطيع الكشف عنها نظراً لسريتها، والمعتقل الإداري يبقى في السجن دون تحديد مدة اعتقاله، ويجري تجديد هذا الاعتقال من مرة إلى أخرى، كل ستة أشهر، حتى إشعار آخر، فالإضراب عن الطعام وسيلة احتجاج، ومقاومة مشروعة ضد هذا الاعتقال الإداري، الذي يبقى المعتقل سجيناً لفترات طويلة دون محاكمة، وليس لدى المعتقل الإداري وسائل احتجاج بديلة سوى الإضراب عن الطعام.
في شهر تموز الماضي، أي قبل شهر من اليوم، صادق الكنيست على قانون يتيح الإطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام، تحت مزاعم أن حياتهم معرضة للخطر والموت وللمحافظة على سلامة جسم الأسير، إذ أن أكثر ما يقلق السلطات الإسرائيلية موت الأسير وتداعياته على الصعيد الفلسطيني الداخلي، من ردود فعل قد تصل إلى الانتفاضة، كذلك ما سيحدثه موت الأسير من ردود فعل عالمية، وإذا كان هذا ما يخشاه الاحتلال، فالمطلوب إطلاق سراح السجين وإعادته إلى بيته، فقانون التغذية القسرية للمضربين عن الطعام من المعتقلين، يخول الجهات المختصة، باستصدار أمر من المحكمة، يسمح للطبيب القيام بتغذية قسرية للسجين المضرب عن الطعام، عن طريق الوريد وغيره من الوسائل، وهذه الطريقة تلقى معارضة شديدة من نقابة الأطباء الإسرائيلية، وبالتالي من الأطباء في المستشفيات، لأن هذه التغذية هي في الواقع عقوبة مؤلمة في حد ذاتها، وتشكل خطراً فورياً على حياة المضرب عن الطعام، وليس إنقاذه، وهذه التغذية تتعارض مع قانون حقوق المريض، كما يجد معارضة من قبل منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل، ويتعارض مع قواعد الأخلاق الطبية في العالم، وحتى المتبعة في إسرائيل، لأن التغذية القسرية تمس بشدة بكرامة الإنسان، وتمس بصحة المضرب عن الطعام، وتزيده ألماً ومعاناة، وقد تؤدي إلى موته، أما كيفية التغذية القسرية .. فيقيد المضرب إلى مقعد، ويفتح فمه بالقوة ويتم إدخال أنبوب من أنفه وفي نهايته كأس يصب فيها حليب مخلوط بكمية كبيرة من الملح، وبمقدور الممرض دفع الأنبوب في فتحة التنفس وليس في المريء وصب الكأس في الرئة مما يؤدي إلى تخريبها ووفاته، وقد نفذ الإسرائيليون هذه الطريقة في إضراب 1976 في الشهيدين علي الجعفري وراسم حلاوة، وأنقذت إضرابات الأهالي محمد أبو حميد حيث قام الأطباء بإزالة إحدى رئتيه.
لقد تفاجأ مشرعو هذا القانون، بأن المستشفيات الإسرائيلية ترفض الإطعام القسري للسجين، وهناك معارضة لتطبيق القانون من قبل الأطباء، الأمر الذي أدى إلى نقل الأسير "علان" من مستشفى "سور سوروكا" في بئر السبع، إلى مستشفى "برزلاي" في مدينة عسقلان، على أمل إيجاد أطباء يقومون بتطبيق قانون التغذية القسرية، ولكن خاب أملهم، ولم يجدوا آذان صاغية، فـ "علان" يرفض أي علاج، كما يرفض تلقي السوائل، وقالت والدته التي زارته في المستشفى، أن حالته الصحية في تدهور متواصل، لكنه يواصل إضرابه، وفي بيان لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية، أعلنت رفضها لهذا القانون الذي يتعارض مع كافة مواثيق حقوق الإنسان، وأن الأخلاقية الطبية-حسب البيان- تفوق قوة القانون، وأن الأطباء رفضوا تهديدات وزير الصحة بتنفيذ القانون وإطعام "علان".
والسؤال: لماذا هذا القانون، وهو تعديل لقانون مصلحة السجون الإسرائيلية رقم (48) الذي هدفه منع إطلاق سراح المعتقلين الإداريين، وعدم خضوع سلطات الاحتلال للأسرى المضربين عن الطعام، هذا القانون الذي يلقى معارضة من قبل الأطباء في إسرائيل والعالم، ومن قبل مثقفين وأدباء وشخصيات أكاديمية، فالتغذية بالقوة هي تعذيب، وإخلال بالمواثيق الدولية، وجزء من وسائل القمع التي تستخدمها إسرائيل، ولا قدرة للأسير إلا إتباع هذه الوسيلة للاحتجاج على اعتقاله الإداري، دون تقديمه للمحاكمة، أما مبررات الحكومة من تشريع هذا القانون، فهو الإدعاء الأمني كالعادة لمعاقبة الأسرى الأمنيين المضربين عن الطعام للخروج وتنفيذ عملية انتحارية من نوع جديد -حسب تبرير وزير الداخلية الإسرائيلي- في الطريق لإطلاق سراحهم من خلال الإضراب عن الطعام، وهذا يؤدي إلى إثارة المواطنين في البلاد وفي العالم ضد هذا الاعتقال، فموت أسير مضرب عن الطعام، سيخلق انتفاضة شاملة ضد إسرائيل، المستمرة في عنصريتها، ومصادرة أراضي الفلسطينيين، وهدم منازلهم، وطردهم وإبعادهم، إضافة إلى المداهمات الليلية للقرى والمنازل الفلسطينية، وإطلاق النار على المواطنين، كل ذلك يتسبب في مواجهات وانتفاضة مع الاحتلال، خاصة مع عدم وجود أفق سياسي لإنهاء الاحتلال.
نقابة الأطباء الإسرائيلية، ستتقدم بالتماس إلى المحكمة العليا، ضد قانون الإطعام بالقوة للأسرى المضربين عن الطعام، وعدم نقل الأسير "علان" من مستشفى لآخر، وأطباء مستشفى "برزلاي" الذي نقل "علان" إليه، طلبوا من مدير المستشفى عدم أطعام المذكور بالقوة، باعتبار أن الإطعام بالقوة عملية تعذيب وعلى الأطباء الالتزام بقرار النقابة بالامتناع عن الإطعام بالقوة، ومدير المستشفى استجاب لطلب الأطباء، ورفض تغذية الأسير "علان" قسراً طالما أنه لم يفقد الوعي، وتبحث إدارة السجون عن طبيب يكون مستعداً لإطعامه قسراً، ورغم وضع "علان"، والتغطية الإعلامية في إسرائيل وفي العالم ضد قانون التغذية القسرية، ورغم حالته الصحية، فإنه مكبل من فحده الأيمن، ويده اليسرى في السرير، تحت حراسة ستة سجانين، في غرفة العلاج في مستشفى "برزلاي"، ورغم وجود مظاهرات حول المستشفى تطالب بإطلاق سراح "علان"، فإن مظاهرات يمينية عنصرية تطالب بسجن جميع "الإرهابيين" الفلسطينيين ويتمنون لهم الموت، مع تمسك رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" بالتعامل مع الأسرى المضربين عن الطعام، بإطعامهم قسرياً حسب القانون.
في إسرائيل أكثر من (40) قانوناً عنصرياً، شرعت في السنوات الماضية، وفي أعقاب الانتخابات الأخيرة للكنيست في شهر آذار الماضي، وتشكيل حكومة "نتنياهو" الرابعة، فإن على جدول أعمال الكنيست نحو (30) مشروع قوانين عنصرية، كان آخرها قانون التغذية القسرية للسجناء المضربين عن الطعام، سبقه بأيام عقوبة السجن من خمسة إلى عشرين عاماً، على الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة، والقوانين المدرجة على جدول أعمال الكنيست: عشرة منها تهدف إلى فرض ما يسمى بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية، على الكتل الاستيطانية، وثلاثة قوانين تتعلق بما يسمى بيهودية الدولة بصياغات مختلفة، وتعريف إسرائيل بـ "دولة الشعب اليهودي"، وقوانين تتعلق بالإكراه الديني، وقانون بفرض عقوبة الإعدام على المقاومين الفلسطينيين، وقوانين للتضييق على الأحزاب العربية، ومنظمات حقوق الإنسان الناشطة بين فلسطينيي 1948، وشروط تطلب من المرشح العربي للكنيست، وحزبه بعدم تأييد الكفاح المسلح ضد الاحتلال، وقانون آخر يمنع منح تأشيرة دخول لإسرائيل، لأي شخص في العالم، يشارك في حملات مقاطعة إسرائيل، والبقية تأتي.
عنصرية إسرائيل طالت ضحايا الإرهاب من العرب، وعلى سبيل المثال، فإن عائلة دوابشة التي قام المستوطنون بحرق منزلها وما نجم عنه من موت الطفل الرضيع علي ووالده سعيد، وما زالت الأم وابنها الثاني في العناية الحثيثة، لا يطبق عليهم قانون الإرهاب، رغم اعتراف الحكومة الإسرائيلية على تسمية عملية حرق بيتهم بعملية إرهابية، فإن القانون لا يطبق إلا على اليهود، ولا يمنح التعويضات لضحايا الإرهاب من العرب، مما دفع النائب العربي في الكنيست "يوسف جبارين" لمطالبة الجهات المختصة بالتعامل مع عائلة "دوابشة" كضحايا للإرهاب.
ونعود إلى "محمد علان" المضرب عن الطعام، فإن هذا الإضراب الذي يستخدمه المساجين للاحتجاج السلمي لتسليط الأضواء على خطورة أوضاعهم، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان، فالغاية الحقيقية من هذا القانون، منع السجناء من تحقيق إنجازات سياسية من خلال الإضراب عن الطعام، وخشية إسرائيل من الضرر الإعلامي الذي يلحق بها وتخشى أكثر من تحقيق السجين المضرب انتزاع حريته، ومع أن حالة "علان" الصحية في تدهور مستمر، ويعاني من تراجع في البصر، وطنين مستمر في الأذنين، وضعفاً عاماً في الحواس، ورغم ذلك فإن معنوياته عالية، وأن المعلومات المسربة بأن السلطات الإسرائيلية بدأت في عملية مساومة لفك إضرابه، مقابل إطلاق سراحه في وقت لاحق، كي لا يقال بأن السلطات الإسرائيلية استسلمت لإضرابه وخضعت أمام الفلسطينيين.
(جي بي سي نيوز - 2015-08-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews