الدفع باتجاه الانتقام يرهق الإخوان المسلمين
تناول تقرير الدعوات المتصاعدة من الإخوان المسلمين في مصر ضد سلطات الانقلاب، حيث قالت إن الدفع باتجاه الانتقام يرهق الجماعة.
وأشار إلى أن اعتقال دعاة النهج السلمي في جماعة الإخوان المسلمين يفتح المجال للشباب إلى التصعيد بعيدا عن السلمية، إلى درجة المجازفة، "وهو تحول ينذر بالشؤوم لمصر والغرب".
ونوّه إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست فحسب أكبر منظمة سياسية في مصر، بل إن تاريخها الطويل يمنحها نفوذا بين الإسلاميين يتجاوز الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وغيرها من بقاع الأرض.
وأشار إلى أن مسؤولي الإخوان يصرون على أن الجماعة ماتزال ترفض العنف، وتعتبره مناف للخلق، وعواقبه وخيمة.
إلا أن البعض في جماعة الإخوان المسلمين يعترف همسا بأن مطالب الشباب في الجماعة بالانتقام من الذين شاركوا في الانقلاب العسكري قبل عامين باتت تهدد بدفع أيديولوجيا الجماعة تجاه العنف، وبتوسيع الهوة التي باتت تفصل بين الأجيال في وقت وهنت فيه قدرة الجماعة على إلزام أعضائها بسياستها، وذهب كثير من الأعضاء الشباب يلومون جيل الكبار بإساءة التعامل مع ثورة الربيع العربي، وتبديد فرصتهم في أن يحكموا البلاد.
لكنها ذهبت إلى أنه لا يوجد ما يدل على أن الجماعة تسعى لخوض تمرد مسلح أو للتحالف مع غيرها من الجماعات التي انتهجت العنف مثل ذراع تنظيم الدولة في سيناء (ولاية سيناء).
وذكر كيف أن الجماعة تمكنت بعد الانتفاضة التي أسقطت الرئيس حسني مبارك في عام 2011، بفضل سنوات من التنظيم الصبور والإعداد المثابر من كسب أغلب الأصوات في الانتخابات الحرة التي جرت في مصر، فيما اعتبر برهانا على صحة استراتيجيتها، وفشل استراتيجية الجماعات التي لجأت إلى العنف.
ولكن منذ الإطاحة قبل عامين بأول رئيس مدني منتخب وهو مرشح حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان، محمد مرسي، تعرضت الجماعة لموجة من القمع فاقت في شدتها وشراستها كل ما تعرضت له من قبل في تاريخها، بما في ذلك ما كانت تعرضت له من قهر وسجن وإعدامات على يد جمال عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.
وبلغ الأمر بحكومة السيسي أن وصمت جماعة الإخوان بأنها منظمة إرهابية، وجرمت كل من ينتمي إليها، وقتلت قوات الأمن ما يزيد عن ألف من مؤيديها في إطلاق نار جماعي، واعتقلت عشرات الآلاف منهم وصادرت ممتلكات الجماعة، وأصدر القضاة أحكاما بإعدام المئات من الناس الذين يظن أنهم أعضاء فيها بمن فيهم السيد مرسي وغيره من القيادات العليا في الجماعة.
كل هذه الممارسات بحق الجماعة، ربما تدفع بشباب الجماعة إلى العنف جراء القمع الموجه ضدهم.
تحميل كبار الجماعة المسؤولية وتمرد الشباب
وأشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تشتهر من قبل بانضباط أعضائها وطاعتهم لقياداتهم، إلا أن الانضباط ما لبث أن فارقها من بعد بسبب الضربات القاصمة التي تلقاها هيكلها التنظيمي والقيادي، تحت وطأة القمع الشديد، بحسب ما يقوله ناثان براون ومايكل دان، وكلاهما أستاذان في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، صدرت لهما مؤخرا دراسة عن الجماعة.
يقول البروفيسور براون في مقابلة أجريت معه: "لم تعد هذه جماعة الإخوان المسلمين التي كان يعرفها جدك".
يقول قادة الجماعة في المنفى وأعضاؤها في الداخل إن كبار المسؤولين في الجماعة لم يعودوا يملكون قدرا كبيرا من التحكم بقواعدها، وبسلوك أعضائها في الشارع.
وكانت الجماعة قد أعلنت أنها أجرت انتخابات داخلية في شباط/ فبراير من عام 2014 لاختيار لجنة تنفيذية جديدة لإدارة الأزمة، إلا أن الجماعة لم تفصح عن هوية أعضاء المجلس خشية عليهم، وحفاظا على حياتهم.
إلا أن القادة وكبار المسؤولين في الجماعة يقولون إن جيلا جديدا من القياديين في الإخوان ممن يوجهون نقدا لمن يكبرونهم، فيها تمكنوا من شق طريقهم نحو المواقع المتنفذة في الجماعة.
ونقل عن أحد القادة الشباب في الإخوان داخل القاهرة شريطة عدم الإفصاح عن هويته حفاظا على سلامته، واصفا انتقال السلطة داخل الجماعة من جيل إلى جيل بأنه "الشيء الوحيد المفيد الذي تمخض عنه الانقلاب".
من جانيه، قال الوزير السابق في حكومة هشام قنديل في عهد مرسي، يحيى حامد، الذي يبلغ من العمر 37 عاما، ويعيش الآن في إسطنبول، إنه وغيره من الأعضاء الشباب في الجماعة يلومون قادتهم السابقين لإساءتهم فهم اللحظة"الثورية" بعد الإطاحة بمبارك قبل أربعة أعوام.
وقال في معرض حديثه: "أخطأ قادة الجماعة لسعيهم نحو التفاوض مع العسكر، ولمحاولتهم تغيير الدولة السلطوية من الداخل، ولفشلهم في التعاون مع النشطاء ذوي التوجه اليساري الذين كانوا حلفاء في الانتفاضة، لم تكن اللحظة ملكا للإخوان المسلمين وحدهم، بل لكل الناس في مصر"، على حد قوله.
وأضاف حامد إن الجماعة الآن تتبنى استراتيجية "ثورية" بما يعني الاستمرار في الاحتجاجات السلمية، وإعادة بناء الثقة مع الفصائل الأخرى، والإعداد لما تعتبره جماعة الإخوان المسلمين الفشل الحتمي الذي سيمنى به السيسي.
وقال إن العنف من شأنه أن يقوي حكومة الانقلاب ويجر البلاد نحو حرب أهلية، كما أن ذلك يتعارض مع التعاليم الصادرة عن الإخوان على مدى عقود التي دعوا باستمرار إلى الثبات عليها.
وأورد خطابا جاء في السابع والعشرين من أيار/ مايو الماضي وجه من خلاله ما يزيد عن مئة من العلماء المسلمين بعنوان "نداء مصر" القول إن "من حق المظلوم الذي يعتدى عليه أن يقاتل الظالم المعتدي"، مضيفة أن جماعة الإخوان المسلمين ما لبثت في اليوم التالي لصدور الخطاب أن أقرته.
ووصف العلماء في خطابهم حكومة عبد الفتاح السيسي بالنظام القاتل، وقالوا إن حكم الإسلام فيمن تعاونوا معه (مثل الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين ورجال الإعلام والسياسيين) أن يعاقبوا لكونهم قتلة.
وأكدوا أن هؤلاء جميعا قتلة في نظر الشريعة الإسلامية. وأشار إلى أنه منذ صدور الخطاب حتى الآن حظي بموافقة وتأييد ما يزيد عن 620 ألف شخص من خلال الإنترنت.
وأشار حامد إلى أن الدعوة التي صدرت عن العلماء المسلمين وطالبت بمعاقبة أولئك الذين ساندوا النظام القاتل، اشترط فيها أصحابها أن يكون العقاب ضمن ما تفرضه أحكام الشريعة الإسلامية من ضوابط.
بل وتضمنت الدعوة نفسها حث الجماهير على المقاومة باستخدام الوسائل المناسبة مثل العصيان المدني.
إلا أن بعض أنصار الإخوان المسلمين، يشعرون بالإحباط بسبب الدعوة إلى السلمية، وإلى تجنب العنف.
فبعد أن نفذ حكم الإعدام بمجموعة من الإسلاميين بعد محاكمة عسكرية في شهر أيار/ مايو الماضي، أعلن متحدث باسم الإخوان استخدم لنفسه اسم محمد منتصر أن الحل الوحيد للرد على "هؤلاء القتلة" هو "الانتقام" و"الثورة التي تحصد الرؤوس عن الأجساد المتعفنة".
وقال: "لن تتوقف الثورة حتى تجتث جميع الطغاة". إلا أن كثيرين غيره عبروا عن امتعاضهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعن قناعتهم بأن حتى مثل هذه التهديدات لم تكن بالقوة الكافية.
منهج السلمية تاريخيا لدى الإخوان
وجماعة الإخوان المسلمين ليست وليدة اليوم، وأنها لها تاريخها، حيث أسست عام 1928، وهي الحركة التي حددت معالم ما بات يعرف بالإسلام السياسي، وماتزال هي المرجعية المركزية له، على حد تعبيرها.
وكانت الجماعة قد ألزمت نفسها عبر عقود بانتهاج أسلوب سلمي في التغيير السياسي يتبنى الانتخابات سبيلا.
وهي الجماعة التي نجح بعض المنتسبين إلى مدرستها الفكرية والمتعاطفين معها في إقامة أحزاب إسلامية معتدلة كما هو الحال في تركيا وتونس، بينما توجه آخرون، مثل أيمن الظواهري منظر تنظيم القاعدة، إلى النأي بأنفسهم عن الإخوان وتشكيل جماعات مسلحة مناهضة للغرب.
سلمية أم عار ومهانة؟
لم تعجب الدعوة إلى التمسك بالسلمية جيل الشباب المؤيد للإخوان، بل صدرت ردود قاسية عليها من بعضهم.
حيث كتبت إحدى المعلقات في مدونتها على الإنترنيت، واسمها أسماء حسين، تقول: "ما تتحدثون عنه لا يسمى سلمية، وإنما عار ومهانة".
وعلق آخر، واسمه عصام المصري، ردا على غزلان، قائلا: "لقد باتت الثورة هي الشارع الآن، ولقد أطاح الدم الذي سفك حتى الآن بكل ما تعنيه السلمية المذلة".
(المصدر: نيويورك تايمز 2015-08-10)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews