قراءة مختلفة لاستضافة السعودية قادة حماس
لا يخفى على اللبيب أن استقبال الملك سلمان بن عبد العزيز قبل أيام لخالد مشعل وقادة آخرين من حماس أحدهم عسكري ، لا يندرج - سعوديا - ضمن إطار إرسال رسائل إلى أي جهة ، فزمن الرسائل قد ولى عقب الإتفاق النووي ، وبات الامر يتطلب عملا . .
لم يقتصر اللقاء الذي جاء بذريعة أداء مشعل وزملائه للعمرة ، على لقاء الملك ، بل اجتمع الرباعي الحمساوي : مشعل ، أبو مرزوق ، محمد نزال ، صلاح العاروري " عسكري مقيم في تركيا " مع ولي العهد ومع وزير الدفاع ، ولم يتسرب أي شيء بالمطلق عن هذا الإجتماع الذي استمر لساعات عبر يومين هما عمر الزيارة ، وكل ما نشر عنها مجرد تكهنات .
ما من شك أن حماس تعاني ضغوطا مالية وسياسية واجتماعية جعلتها تسير على الحافة ، وقد وجدت بهذا اللقاء بداية الخلاص من كل عالقة وضائقة ، وفي نفس الوقت مناسبة لإرسال رسائل في كل الإتجاهات سواء إلى المصريين أو الإيرانيين أو الإسرائيليين : فبالنسبة لمصر ، رغبت الحركة أن تؤكد على براءتها مما ينسب إليها من دعم للإرهابيين في سيناء أو التدخل في الشأن المصري ، وكعربون على ذلك ، فإن حماس تلاحق أنصار داعش داخل غزة ، بل وتقتلهم بالرصاص كما حدث مع يوسف الحتر " 27 " عاما الذي أردته قوة تابعة لأمن حماس بعد محاصرة منزله في حي الشيخ رضوان بداية حزيران الفائت ، بالإضافة إلى إغلاق مساجد للسلفيين الجهاديين في القطاع واعتقال العديد منهم ، وهي قضية مهمة بالنسبة للمصريين الذين يواجهون ما يسمى " ولاية سيناء " وللسعودية التي تواجه التنظيم نفسه أو ما يطلق عليه " ولاية نجد " ، ولعل كل ذلك ، قبل الزيارة ، أفضى إلى تسهيلات بدأت مصر تقدمها في معبر رفح أثر تفاهمات أمنية غير مباشرة امتدحتها إسرائيل والإذاعة العبرية أكثر من مرة ، وما سيجره ذلك من استحقاقات ، شريطة أن تكون أجندة الحركة غير أجندة الإخوان المسلمين العالمية وهو ما تؤكده الحركة في حوارات غير معلنة من أنها حركة تحرر فلسطينية غير دعوية ، ومحصورة أنشطتها في الداخل الفلسطيني على حد تأكيداتها المتكررة ، رغم أنها جناح عسكري للإخوان .
، وبالنسبة لرسالة حماس إلى الإيرانيين ، فإن هذا اللقاء يجيء ردا على توقف دعمهم الذي يشترط في العادة مواقف سياسية داخل غزة وخارجها بالإضافة إلى فتح المجال أمام التشيع لمن أراد من الغزيين ، وحماس تدرك بأن التشيع في غزة قد يؤدي إلى حرب داخل القطاع وانفلات أمني تعتقد الحركة أن غزة في غنى عنه ، رغم أنها تغض الطرف عن حركات شيعية مسلحة توالي إيران علنا ولكنها تحت السيطرة ، وإذا خسرت إيران ورقة حماس ، فإن شماعتها " القضية الفلسطينية " تصبح بلا قيمة ، وهو هدف سعودي بامتياز ، ذلك أن تبجح إيران بدعم القضية أعطاها زخما سياسيا وإعلاميا استفادت منه ولا زالت تسوقه بواسطة نصر الله وعبد الملك الحوثي وغيرهما ، قبل أن ينفضح أمرها وتتكشف حقيقة بضاعتها التي باتت كاسدة ، سوى عند الفصائل الشيعية الموالية لها في المنطقة ، أو تلك التي تسعى لخلقها كبديل عن حماس في فلسطين ، إذا اعتبرنا أن حركة الجهاد الإسلامي بقيادة رمضان شلح هي حركة سنية خالصة .
وبخصوص الإسرائيليين ، فإنه ما من شك بأن كل ما يجري الحديث عنه من هدنة طويلة مع القطاع ، وبناء مرفأ بحري وإدخال مواد الإعمار ، وفتح المعابر ، يصب في صالح هدوء الجبهة الجنوبية التي يسعى الأسرائيليون إلى أن تسكن لسنوات ، بل إن أحد القادة الأسرائيليين قال في تصريحات صحفية : إن عدم إعمار غزة سيجر إلى مواجهة قريبة ، وإن أفضل طريقة لاحتواء حماس هو الإتفاق على هدنة طويلة ، بينما لا يخفى أن الهدف الحقيقي لإسرائيل هو تكريس الإنقسام واستحداث : " غزة ستان " شمال سيناء .
السعوديون في عهد الملك سلمان يسعون إلى الإمساك بتلابيب الملفات الصعبة من مثل المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية ، والقضية الفلسطينية ذاتها ، وإفقاد إيران هذه الورقة ، غير أن الأهم ، وفق ما يقول الإسرائيليون أنفسهم : هو أن هذه الخطوة السعودية جاءت ، حسب معطيات ، بالتوافق مع القطريين والأتراك وربما دول أخرى ، وإذا صدقت هذه الرؤية ، فإن هناك توجهاً جديدا في المنطقة بدأ يتبلور لمواجهة مرحلة ما بعد الإتفاق النووي ، وقد تكون حاضنته إعادة طرح مبادرة السلام العربية مع إسرائيل ، وإذا قدر لهذه المساعي النجاح ، فستكون إيران وحلفاؤها التقليديون في ضفة ، بينما يقف على الضفة الأخرى هذا الزخم العربي والإسلامي السني ، وإن قبلت إسرائيل بالسلام وإقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس فلا ضير من انضمامها أيضا ، ولا غرو في ذلك ، حيث إن التطبيع الشامل وارد بصراحة في المبادرة العربية ، ولكنه مشروط بالإنسحاب وإقامة الدولة وعاصمتها القدس .
كل ما يقال أو قد يقال يبقى مجرد قراءات قد تعصف به أحداث من هنا أو من هناك ، ولكن المبادرة السعودية باستقبال قادة حماس لها انعكاساتها على مصالح السعودية وعلاقاتها الإقليمية ، وخاصة مصر ، أما اليمن ، فلا يجب أن ننسى أن حزب الإصلاح اليمني ، أكبر حزب سياسي ، هو " إخوان مسلمون " أيضا ، وهو القوة " الجماهيرية " الأولى التي قد تحتاجها السعودية في مرحلة قادمة ولربما تفيد حماس في هذا الملف .
يفترض بحماس أن تلتقط هذه المبادرة ، وأن لا تلعب على الحبال بذريعة " فلسطين لجميع المسلمين " أما سعوديا ، فإنه قد مضى السكون وبدأت الحركة العربية السنية ، فلننتظر الآتي ، وعسى أن يكون ذا قيمة في مواجهة الأطماع الصفوية التي تتربص بأهل السنة والعرب الدوائر .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews