عادل إمام أستاذ ركوب الأمواج!!
بعد أن أفلت إشراقته في كوميديا نتذكرها جيدا، حفرت أفيهاته الشهيرة في ذاكرتنا، وبتنا نستخدمها وسط كلامنا، نتندر بها في مواقف تلامس تلك المشاهد التي قدمها طالبا مشاغبا في مدرسة المشاغبين محدثا ثورة في المسرح الكوميدي، ما لبث أن انطلق كالصاروخ مفجرا حالة من الضحك الناعم على كوميديا مواقف خفيفة دم وعميقة حين كان سرحان عبد البصير شاهدا (ماشفش حاجة) ومن ثم سيد الشغال والزعيم وأخيرا البودي غارد.. بدا بسبب حجم النفاق والتمجيد الزائف الذي ألبسته إياه ماكينات منح العلامات والألقاب التي أغدقت عليه بلقب الزعيم.. خطا معاكسا لمسيرة كبيرة من النجاحات في المسرح والسينما حتى ارتبط اسمه الكبير بنوعيات متخلفة من السينما الهابطة مثل (بوبوس)، الذي قضى ساعاته في مشاهد التقبيل المبتذل ومشاهد العري غير المبرر خارج سياق النص حتى.
منذ تلك اللحظة التي فقد فيها الكوميديان الكبير بوصلته مرة بدعم النظام السياسي ومواجهة الثورة.. ومن ثم العودة إلى الرصيف المواجه في فترة أخرى على قاعدة "أنا اللي بحكمني أصفق له وأدعيلو" إحدى أشهر عباراته في مسرحية الزعيم.. ثم ما لبث أن امتدح بإعجاب غير مسبوق النظام الذي تلاه ثم انقلب عليه وهكذا.. ضلع الزعيم.
في الدراما كل الأدوار ممكنة وقابلة للتصديق إلا حين يتنكر الفنان لنفسه ولجمهور مدجج بالذاكرة الحية، فيسقط في مستنقع الأداء الباهت والاستجداء.
هذا ما حدث مع عادل إمام حين أقدم على مغامرة غير محسوبة بمسلسله الرمضاني الجديد "أستاذ ورئيس قسم"، الذي قدم الزعامة بوجه مختلف وبأدوات قاصرة حتى على إقناع جمهور ساذج لتصديق ما يقوله ويقدمه كـ(ثورجي) وقدوة لآلاف الشباب المصري الذي توجه للميدان.
أزمة عادل إمام الحقيقية طوال السنوات القليلة الماضية تتمثل بتبنيه لآراء ومعتقدات الشخصيات التي يقدمها، فلم يتورع عن إصراره لاستخدام لقب الزعيم إحدى شخصيات مسرحياته، ثم استثمر وطنية الشخصية في "السفارة في العمارة" ليعبر عن آرائها في كل المحافل وكأنها جزء منه حين سخر من القوى اليسارية في الفيلم، التي عاد لها يساريا متزمتا في "أستاذ ورئيس قسم"، حدث ذلك في جملة أعمال أخرى مثل "فرقة ناجي عطا الله" التي سرقت بنكا حصينا في تل أبيب وعادت بالملايين مسجلا انتصارا تاريخيا على الأعداء، ثم "عمارة يعقوبيان" وموقفه من العلاقة بين الأديان في "حسن ومرقص".
المشكلة أن حس الزعامة وبعد النظر وسعة الأفق التي يجيرها عادل من شخصياتها هي التي في السفارة والنوم بالعسل واللعب مع الكبار وطيور الظلام وبخيتة وأمير الظلام وعشرات الأعمال الأخرى التي تخلد تسوق لعبقريته.
"الزعيم" في "أستاذ ورئيس قسم" أصيب بأعراض "الزهايمر" فني حين نسي أن الجمهور لا ينسى، وأن لعبة ركوب الأمواج واستبدال المواقع لا يمكنها أن تمر.. بقناعات (فريش) وبأقنعة ملائمة لاتجاهاته.
الأستاذ اليساري المعارض لم يقنعنا بأنه أستاذ أو يساري ولا حتى معارض، هو معارض فقط لقناعاته الشخصية المسجلة في ذاكرة الناس والإعلام والفضاء الافتراضي الذي لا ينسى. عادل إمام عاد حتى في خضم انشغاله بالسياسة إلى أدواته المعهودة مستندا إلى حضوره الشخصي ونجوميته على حساب الإتقان في الأداء وحتى في الحبكة والسياق الدرامي.. حتى آلَ إلى شخصية كاريكاتورية.
مشكلتنا مع الفنان الذي أحببناه وتربينا على أفيهاته حتى أصبحت جزءا منا، أننا لم نعد متفرجين فقط لكل ما تعرضه الشاشات أمامنا، وأن هؤلاء الذين كانوا كبارا لا يمكن قبولهم كحزمة واحدة (باكيج) هم وآراؤهم وتناقضاتهم وأدوارهم ومصالحهم.
بعيدا عن المواقف السياسية التي يناقشها فوزي جمعة أو عادل إمام في "أستاذ ورئيس قسم"، فإن العمل بكل المقاييس هو انتكاسة درامية وفنية لتاريخ طويل أصر صاحبه على إنهائه بطريقة درامية مفجعة لجمهور أحبه.
وبعيدا عن سطحية المشاهد وسذاجة السياق والأحداث والتهكم (الإمامي) المعروف من كل من يدور حوله، أراد عادل أن يحتفظ بحزمة مصالح من مسلسله الجديد، عملية تجميل لآرائه السياسية المعروفة وبعض من نفاق للمرحلة الحالية والإبقاء على صورة الزعيم، وثلاثين مليون جنيه مصري.
(المصدر : "الغد" الأردنية- 10 تموز/ يوليو 2015)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews