أمريكي يبتكر قاموسًا يترجم مشاعر عجزت اللغة عن وصفها: كيف تعبر عن رغبتك في الإختفاء؟

جي بي سي نيوز :- «الكلمة إيد، الكلمة رجل، الكلمة باب، الكلمة نجمة كهربية في الضباب، الكلمة كوبري الصُلب، فوق بحر العباب»، هكذا احتفى الشاعر «صلاح جاهين» بالكلمة، كما احتفى بها آخرون، نظرًا لما تدين البشرية للكلمة بعرفان بالجميل، فالكلمة هي «باب» الآخرين لما نشعُر به، إلى آراءنا وأفكارنا، وإلى احتياجاتنا ومواطن فقرنا للمساعدة والدعم. غير أن اللُغة في أوقات لم تكُن تمامًا كافية لما نشعُر به، وكأن الأقدمون كانوا على عجل في اختراع المُفردات المُعبرة عن مشاعر الإنسان فجاءت مقتضبة وقليلة وغير كافية، أو أن مشاعر الإنسان هي بدورها الواسعة حد أن كل المُفردات المُستخدمة من قبل ليست بالضرورة وافية، وهناك المزيد بعدُ من المشاعر لا توجَد تعريفات، أو بالأحرى «كلمات» من اللغة لوصفه.

«جون كينج»، مصمم جرافيك، وصانع أفلام أمريكي من ولاية «مينيسوتا»، قرر ألّا يقف عاجزًا أمام عجز اللُغة عن التعبير عن أدق مشاعره، ليبدأ في نحتِ كلمات على مقاس مشاعره بالضبط وملء فراغات اللُغة، وتوسيع أفق اللغة يسيرًا لاستيعابها، بحسب ما ذكره في كتابه «قاموس المآسي الغامضة» في التقرير التالي.

«لا توجد كلمة مُحددة للرغبة في الاختفاء، أو التوتر غريب الأطوار الذي ينتابك عندما تلوح في الأفق عواصف رعديّة، أو ذلك الانقباض الذي يشملك عندما تُدرك فجأة أن جميع المارّة يحيون حياة مُعقّدة وعلى نفس درجة التعقيد من حياتك. لا توجد كلمة بعينها تشرح كيف لاتصال بالعين أن تنتُج عنه شرارة قد تُصيب العمى مدة عدة أيام، أو شعورك باللحظة التي بدأت فيها تُصبح قادرًا على التنبؤ بما سيحدث بشكل متوقع ومُرعب في نفس الوقت، أو أن تشعر بالهلع بالمقابِل لأنك لا تستطيع التكهُن بالمرّة…».

بفيديو على قناة Dictionary of Obscure Sorrows على يوتيوب، سيستقبلك «جون كينج» بصوته الرخيم، ليشرح لك رسالة قاموس المآسي الغامضة الذي شرع في العمل عليه منذ عام 2009، لملء الفارغات الموجودة في اللغة، وإعطاء اسم لكُل واحد منها، لحقيقة أن العالم ليس بمكان كامل أو فاضل تمامًا.

بمُجرّد أن تكتب في صندوق البحث الخاص بمُحرّك البحث «جوجل» أن Dictionary of سيكون الخيار الثاني مُباشرةً الذي سيقترحه عليك هو Dictionary of Obscure Sorrows، ليبدأ في إظهار القنوات التي يستخدمها «جون كينج» لنشر مُفردات قاموسه المُتفرّد، أولها قناة يوتيوب التي تحتوي على سلسلة من الفيديوهات التي تشرح معاني المُفردات المُبتكرة، بنفس التعليق الصوتي لكينج.

ولكيّ تضمن إشعارات منتظمة بكافة المفردات الحديثة الميلاد، يُمكنك مُتابعة صفحة القاموس على فيسبوك، أو على تويتر بنفس الاسم، أو مدوّنة «تمبلر»، أو الموقع الرسمي للقاموس، وقد اتخذ لهُم «كينج» صورة تعريف في طريقها أن تُصبِح علامة تجاريّة للقاموس بمرور الوقت، عبارة عن صورة لقاموس عتيق كانت تمتلكه جدته، ويرتبط به بشكل شخصيّ، وقد مرّ عليه من الزمان ما مرّ ودبّت «العثة» لتأكُل أطرافه من اتجاهات مُتعددة.

كموعِد ثابت بينه وبين مُتابعيه، هو يوم الأحد من كُل أسبوع، يُطلق «جون كينج» مُفردة تعبِر غالبًا عن شعور ما ليس بالضرورة مُتعلقًا بالحُزن أو الخوف كما قد يوحي اسم القاموس، مُنطلقًا من اقتباسٍ مُفضّل من قبل مؤسس القاموس يرجع لمُخرِج ألمانيّ هو «ورنر هيرزوج»، يقول فيه «إذا لم نُطوّر صور ذهنيّة مُناسبة، فإننا سنقابل مصيرًا بالانقراض كمصير الديناصورات الراحلة».

«جون كينج»، الذي يعمل بشكل مُستقل في حقل صناعة الأفلام، وتنبع تجربته في اختيار المُفردات من مواطن شغفه الخاصة، وهي عزف البيانو ، لمقطوعات «الجاز» الموسيقية على وجه الخصوص، والشعر ذي الصور البعيدة والمُعقّدة، والخمور غير معروفة الأصل، والأخاديد الطبيعيّة، ودواعي الحنين إلى الماضي، يُبدي رغبةً حقيقيّة في التواصل مع مُتابعيه لمعرفة آرائهم في الكلمات التي اختارها لتُعبر عن المشاعر الغامضة التي اختبرها، كما يطلب منهُم بشكل موازي أن يُرسلوا له وصفهم لمشاعر لا يجدون من اللغة ما بوسعه أن يُعبّر عنها، ويُمكنك التواصل معه عن طريق هذا البريد الإلكتروني. dictionaryofobscuresorrows@gmail.com.

أما عن ماهيّة ابتكار الكلمات على طريقة «جون كينج»، فإن كينج يقوم بنحتها تماماً على طريقة نحاتٍ خبير بعلم «الإتمولوجيا» أو علم أصول الكلمات وتاريخها، وتكوين المُفردة عن طريق دمج جذور الكلمة، مع بادئات، ولواحق مُناسبة تمامًا مع ما توحي به من معان، وبالرغم من أنه ولا قاموس بعدُ قد تبنّى أي كلمة من الكلمات التي ابتكرها كينج من عام 2009 لليوم، إلا أن استخدام الكلمات التي ابتكرها في حياتنا اليوميّة لأمرٌ طبيعيّ، وإلا كيف تكون ظهرت أي مفردة تعارفنا عليها منذ فجر التاريخ بابتكارها ثم استخدامها ثم التعارف عليها، ثم تسجيلها في القواميس أخيرًا.

ومن بين أشهر الكلمات التي ابتكرها «جون كينج» وتم تضمينها في قاموس المآسي الغامضة:

– هل أدركت يومًا أن الحبكة التي تسيّر حياتك، والنحو الذي تدور عليه قد أصبح فجأة غير مفهوم بالنسبة لك، كما لو أنّك تغوص في فقرات من رواية بعينها لا تفقه منها شيئًا، وبالرغم من مُراجعتك للفقرات التي سبق وأن قرأتها، لا تفهم شيئًا، على الأرجح فإنك تُكابد شعورًا اخترع كينج لوصفه كلمة Nodus Tollens.

– هل شعرت من قبل بشعور جارف بالحنين تجاه أوقات لم تحياها من الأصل، ولاتعرف عنها شيئًا البتة، ويُكابدُك شوق إلى أن تحياها بمُجرّد أن تطلع على صور أو تذكارات قديمة منها، وأردت أن تعبر عن ذلك الشعور، فإنك حريٌّ باستخدام كلمة Anemoia.

– أما إذا كُنت ممن يضيقون بفكرة أنك مرهون بجسد واحد، وحياةٍ واحدة، وتسكُن في مكان واحد في زمن واحد، كأن تكون مضطرًا في التحديق في شاشة أرقام الرحلات في المطار، بينما تمثل كل رحلة حياة لشخص أنت لن تعيشها أو تجربها، فإنك جدير باستخدام كلمة Onism.

– هي أفكارٌ لا تباغتك إلا في الليل، في المساء المتأخر، لتقض مضجعك، وتسرق النوم من عينك، وقد أطلق عليها «كينج» كلمة NightHawk.

– ولهواة الندبات، واختبار تجارب الحياة الخطرة، فإن شعورًا بعينه لصيقًا بهم، وهو الشعور بالفخر تجاه الندبات التي اكتسبوها، وكأنها تذكارات تم توقيعها من قبل العالم على أجسادهم، مٌعلنًا بذلك عن رغبة ممتدة في اللعب معهم مرة أخرى، لطالما يستخدمون كلمة Scabulous للتعبير عن شعورهم ذاك.

– وفي حين تمتلك أنت حياة تعتقد أنها من التعقيد والحيوية بدرجة قصوى، ويمُر بجانبك غريب عابر وعشوائي، فتدرك فجأة أنه شخص مثلك يمتلك من التعقيد والحيوية في حياته ماتملك أنت، وليس وحده، وإنما كافة المارّة والعابرين، فإنك تحتاج للتعبير عن هذا الإدراك المُفاجئ لاستخدام كلمة Sonder.

– أما لهواة التصوير، فإن جزعًا ما شهيرًا لمعشر المصورين يتنابهُم عند البدء في تصوير شئ جديد ورائع، لحقيقة أنه تم التقاطه من قبل مئات المرات من مئات الزوايا، ولا توجد زاوية واحدة طازجة لم تستهلك بعد، فإن هؤلاء بوسعهم استخدام كلمة Vemodalen.

– أما إذا كُنت مولعًا بمعرفة ماذا يعتقد الآخرون فيك، لكن حُزنًا عميقًا يسكُن بداخلك لأنك تعرف تمام المعرفة أنك لن تعرف كيف يفكرون فيك، وهل يعتبرونك شخص سيئ أم شخص جيد، فإنك غالبًا ما تحتاج لاستخدام كلمة Catoptric Tristesse.

– الحياة تمضي، وكُلما تقدمت في العُمر شعُرت أن الأيام تنقضي بسُرعة أكبر مما كانت عليه في السابق، وأنك على الأحرى، وقد امتلكت وعاءًا لروحك جسدًا مختلفًا، لا تستطيع أن تُلاحق إيقاعها المتسارع، ولا تملك إلا أن تفوّت دقة منه، فإنك على الأرجح في حاجة لاستخدام كلمة Zenosyne من بنيّات أفكار «جون كينج».

غير أن الكلمات السابقة المُبتكرة تمامًا من قبل «كينج» ليست إلا أمثلة على مُحتويات قاموس المآسي الغامضة، والتي تزخر بها المدوّنة، والتي يُمكنك مُطالعتها عن طريق المدوّنة التي تحتوي لليوم على 115 منشور.