الجنسية في العالم الثالث
إذا كانت الجنسية الوطنية بمعناها الإصطلاحي هي علاقة قانونية بين المواطن " الفرد " والدولة ، فإنه من البديهي أن يترتب على كلا الطرفين التزامات بعينها ، فمن جهة الدولة ، فإنه يتحتم عليها منح مواطنها الذي يحمل جنسيتها حقوقا سياسية ومدنية ( أستثني الحالة الفلسطينية الأردنية في بعض وجوهها ) كما يترتب على ذلك التزامات على هذا المواطن تتمثل بواجبات قانونية مثل دفع الضرائب والتجنيد العسكري وغيره ..
لكن يبدو أن الذي اتفقت عليه الدول في القانون والتشريع الوطني لتوضيح العلاقة النفعية المتبادلة بين الدولة ذات السيادة والشعب المكوّن لها، لم تقرأه في جزئه الأول بعض الأنظمة العربية بأن عليها واجب ضمان حقوق مواطنيها السياسية والمدنية والإنسانية والدفاع عنهم.
وعلى العكس مما ذكر ، فإننا نرى دولا تستخدم سلطاتها التنفيذية ضد مواطنيها من خلال إجراءات مختلفة ، أخطرها سحب الجنسية وتجريد المواطن من حقوقه في حال اختلف معها في الرأي أو شارك في فعالية شعبية سلمية تنتقد أو تطالب بخلاف ما تراه الدولة ، ضاربةً في عرض الحائط حق التراب وحق الدم وهي من العوامل التي تحدد الجنسية والمواطنة ، ولا يجوز أن تُسحب دون وجود مسببات قانونية ومحاكمات عادلة تستوجب هذا الإجراء.
في الدول المتحضرة ، من مثل أميركا وكندا ودول أوروبا ، فإن كل من يحمل جنسيتها ويعيش على أرضها أو في بلدٍ آخر بغرض العمل أو الزواج أو الدراسة.. الخ، يكون تحت حمايتها وتتحمل مسؤولية الدفاع عنه وعن حقوقه في حال تعرض لظلمٍ ما أو خطرٍ معين.
ويعرف مواطن هذه الدول ، حقوقه جيدا حيث يطالب سفارته في البلد الذي وقع عليه الظلم فيها بالتدخل الفوري لمعالجة شؤونه وتسوية أوضاعه وضمان عودته إلى وطنه بسلام وأمان.
في قضية صحفي قناة الجزيرة القطرية " محمد فهمي" المصري الأصل والكندي الجنسية، الذي تم اعتقاله منذ ١٤ شهراً في عام ٢٠١٣ في القضية المعروفة اعلامياً باسم " خلية الماريوت"..بعث رئيس الوزراء الكندي، جوزيف هاربر، شخصياً رسالة إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أجل إخلاء سبيل فهمي وتابع السفير الكندي في القاهرة حيثيات القضية وإجراءات المحاكمة مع النائب العام المصري وكذلك وزير الخارجية الكندية، جون بيرد، مع نظيره المصري سامح شكري.
وبينما رحلت السلطات المصرية في ٢٨ يناير/ كانون الثاني الماضي الصحفي الاسترالي بقناة الجزيرة القطرية، بيتر غريستي، المتهم في ذات القضية إلى بلاده بعد مطالبتها به، وبعد موافقة الرئيس المصري الذي يحق له، بموجب القانون، تسليم الأجانب الذين يخضعون للمحاكمة إلى بلدانهم قبل صدور قرار نهائي ، وجدنا محمد فهمي يضطر مكرها للتنازل عن جنسيته المصرية والاحتفاظ بالكندية من أجل الحصول على عفو رئاسي مثل زميله الاسترالي في حين لا زال باهر محمد الذي يحمل الجنسية المصرية فقط، والمتهم بذات القضية، يقبع في السجون المصرية لغاية يومنا هذا.
وفي حادثة ترديد الصحفية المصرية " فجر العدلي" مؤخراً لهتافات مناهضة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أثناء مؤتمره الصحفي المشترك مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في برلين الأربعاء الماضي، جرى رفع دعوى قضائية في مصر ضدها لسحب الجنسية منها ، وكأن كل من ينتقد أو يحتج ضد الأوضاع في بلاده يُتهم بالخيانة الوطني .
ولأن الشيء بالشيء يذكر ، فإني أعرج على ما تعرض له السوريون خلال الأربع سنوات الماضية عندما قام النظام بإيقاف تجديد جوازات السفر للمعارضة السياسية السورية ولبعض الفنانين السوريين وغيرهم ممن شاركوا بالاحتجاجات ضده وطالبوا بإسقاطه ورفعوا شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية، فكان أن نالتهم جميعاً عقوبة رفض تجديد جوازات سفرهم ليكونوا بذلك محجوزين في أماكن تواجدهم من دون حق حرية التنقل التي تكفلها الدول لمواطنيها ، وإذ بجواز السفر السوري يتحول حلما بعيد المنال بعد أن كان مجرد وثيقة لدى البعض داخل وخارج سورية ، بل بات تجديد جوازات سفر السوريين قانونياً بموجب التعليمات الأخيرة فرحة عارمة وكأنه منة أو منحة تُقدمها الدولة لمواطنيها بدلاً أن يكون حقا للمواطن على دولته ووطنه.
ولأن الحديث ذو شجون ، فإننا نكتفي بما أوردناه ، كأنموذج عما يحصل في منطقتنا ، وقديما قيل : لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة ؟ .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews