غارة إسرائيل هدية للأسد و" طوق نجاة "
عندما سألتني والدتي الفلسطينية عن إسرائيل التي أغارت على سورية ثم اختفت ، ما الذي تريده ؟!!
قلت : أن عند كل نائبة تمر بها الثورة السورية يُسارع حلفاء النظام السوري لمحاولة خلق مخارج له تساعده على التهرّب من المسؤولية الجنائية عما يقترفه من جرائم ، وذلك بافتعال حادثة وتغطيتها اعلامياً بهدف خلط الأوراق وخلق رؤى ضبابية للفت الانتباه عما يقترفه النظام من جرائم بحق شعبه والمسارعة لاحتلال المساحات الاعلامية التي من المُفترض أن تخصص للضحايا بـ " بروبوغندا " اعلامية لا هدف لها سوى التمويه عما يرتكبه النظام السوري من جرائم إبادة بحق المدنيين العُزّل.
فبعد جرائم الإبادة والتطهير العرقي التي اقترفتها قوات النظام السوري مؤخراً في مدينة بانياس الساحلية، وتلك الصور المرعبة التي شاهدها العالم لأطفال ونساء وشيوخ ورجال قُتلوا ذبحاً بالسكاكين وأُحرقت جثثهم، كان لابد لحلفاء النظام السوري المسارعة إلى التغطية عليه ، فكان أن أغار الطيران الحربي الاسرائيلي على مركز البحوث في جمرايا مُعيداً ذات السيناريو الذي سبق له وأن خدع العالم به في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي حينما زعم أن الطائرات الحربية الاسرائيلية أغارت على مركز البحوث في جمرايا ودمرته بالكامل ثم تبين من خلال صور الأقمار الصناعية كذب وتلفيقات النظام السوري، وأن هذه الضربة الجوية كان متفقا عليها وأنها أصابت سيارات عسكرية كانت تقف إلى جوار مركز البحوث.
لكن وكعادة النظام السوري وحلفائه قاموا باستثمار هذه الحادثة اعلامياً في محاولة اثبات إنخراط اسرائيل مع المعارضة السورية بهدف إسقاط النظام .
وسرعان ما انهالت التصريحات من كل مكان ومن دمشق أولاً للتهويل والتنديد والتحليل بما يسلط الضوء على القصف الاسرائيلي ويصرفه عن جريمة النظام التي وقعت قبل يوم واحد فقط من الغارات الاسرائيلية في مدينة بانياس وقرية البيضا والتي راح ضحيتها المئات من أهل المنطقة.
ولو كانت إجابتي هذه على سؤال والدتي قبل الثورة السورية ، أي قبل عامين وأكثر من اليوم لكانت استاءت من اتهاماتي للنظام السوري الذي طرح نفسه على الساحة الخارجية وخدع العالم بوصفه نظام الممانعة والمقاومة الذي يعتبر اسرائيل عدوه الأول وفلسطين قضيته المحورية.
لكن بعد ما شاهدناه على مدى السنتين الماضيتين من عمليات قصف منظم وممنهج على المدن والقرى السورية وتحطيمه للبنى التحتية والدمار والخراب الذي خلفه، والعنف المُمارس وعمليات القتل بحق أبناء الشعب السوري في جرائم يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان وتجفل من هولها الأرواح.. بات الجميع يعرف حقيقة العلاقة العضوية والمصيرية التي تربط ما بين اليمين المتطرف الحاكم في اسرائيل وما يُسمى محور الممانعة والمقاومة.
فاسرائيل اكتشفت على مدى سنوات الخبرة أن وجودها قائم على تنمية الحس الدائم بوجود خطر عليها وعلى الشعب الاسرائيلي.
ووجدت في النظام السوري أفضل عميل يستطيع تنفيذ هذه المهمة فهو عدو يحمي حدود اسرائيل من جهة، ويزبد ويرعد في وجهها من جهة أخرى..
لطالما سمعناه يهدد ويتوعد بالرد في التوقيت المناسب دون أن يتحقق ذلك على أرض الواقع وكأن اختراق الطيران الاسرائيلي لأجوائه أكثر من مرة والغارات الأخيرة واحتلالهم لجزء من أرضه وهو الجولان لا يستدعى أن يكون كل يوم هو ذلك التوقيت المناسب للرد.
كذلك فإن النظام السوري هو عدو يؤمن لاسرائيل التفوق النوعي والاستراتيجي وتدفق السلاح الغربي والمساعدات الغربية.. كما أنه عذر جيد في مواجهة عنصريتها واقترافاتها تجاه السكان العرب المسلمين والمسيحيين أمام الرأي العام الغربي..
من هنا نشأت حاجة كل طرف للآخر في علاقة عضوية ما بين محورين كلاهما شر على الإنسانية ويدفع الأطفال والنساء والشيوخ في هذه البقعة من العالم ثمن تلك العلاقة دماءً وأرواحاً طاهرة.
لقد تجذّرت هذه العلاقة العضوية ما بين محوري الشر، فكل منهما بحاجة للآخر: اسرائيل لا تستطيع أن تعتاش إلا على ابتزاز الغرب ومن غير الممكن تحقيق هذا الهدف بدون عدو افتراضي يحميها ويلعب دور " الفزاعة" على حدودها..
ومن جهته ، فإن النظام السوري فهم قواعد اللعبة وعرف حاجة اسرائيل لعميل رخيص يحمي حدودها ويصرخ في وجهها مستجلباً لها المعونات والمساعدات في مقابل استمراره في السلطة.
أما شعوب المنطقة فهي في النهاية من تدفع الثمن ، لأن اسرائيل لا تتحمل قيام دولة ديموقراطية على حدودها ، بل تفضل أنظمة الاستبداد، لأنه إن تحققت الحرية والديموقراطية في سورية وأعلن عن إتمام عملية السلام في المنطقة ، عندها فقط ستكون نهاية اسرائيل ومقتلها قد حان ، ( وعن هذا لنا وقفة أخرى) .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews