الذى يمكن تعلمه من إسبانيا

من باب التأمل والتعلم أو حتى من باب الفرجة والفضول.. لابد من التوقف أمام الأزمة الكروية الإسبانية المشتعلة حاليا، والتى بدأت قبل أيام قليلة بقرار اتحاد الكرة الإسبانى إيقاف كل المسابقات الكروية المحلية الإسبانية.. وكان الاتحاد الإسبانى قد قرر ذلك اعتراضا على قانون جديد أصدرته الحكومة، وأقره البرلمان الأسبوع الماضى.. ويمنع هذا القانون الجديد أندية إسبانيا من البيع المنفرد لحقوق البث التليفزيونى لمبارياتها، وباتت هذه الأندية كلها ملزمة قانونا بالبيع الجماعى لمشترٍ واحد وفى صفقة واحدة.. ورفض اتحاد الكرة الإسبانى هذا القانون، وقال ماريا بيار، رئيس الاتحاد، إن ما جرى يعنى عدم احترام الحكومة والبرلمان الإسبانى للجهة التى تدير الكرة فى إسبانيا.. ولهذا قرر تجميد كل مسابقات اللعبة احتجاجا على هذا السلوك واستعادة لاحترام الاتحاد ومكانته.. ومع اتحاد الكرة تضامنت رابطة اللاعبين المحترفين الإسبان، وأعلن عدد من النجوم الكبار، مثل إنييستا وكاسياس وراموس وتشافى، تأييدهم قرار اتحاد الكرة فى بلادهم.. وقال رئيس الرابطة روبياليس إن لاعبى الكرة فى إسبانيا قرروا الإضراب وهم واثقون بأنهم على حق، وأنهم الأقوى أيضا.. وفى المقابل.. ومع الحكومة والبرلمان.. وقفت رابطة الدورى الإسبانى رافضة قرار اتحاد الكرة تجميد المسابقات.. وتعطيل الدورى الإسبانى الذى يتابعه العالم كله وحرمان الجميع من مشاهدة ميسى وكريستيانو رونالدو.. وقال رئيس الرابطة، خافيير تيباس، إنه مقتنع بضرورة البيع الجماعى الذى سيأتى بأرباح أكثر ينالها الجميع، ولا يستأثر بها الناديان الكبيران وحدهما.. وقرر رئيس الرابطة اللجوء للقضاء الإسبانى طالبا إلغاء قرار اتحاد الكرة إيقاف المسابقات.. ولم يصرخ أحد لا فى الفيفا ولا فى اللجنة الأوليمبية الدولية بأنه ليس من حق أحد اللجوء لقضاء بلاده للمطالبة بما يراه حقا له حتى لو كانت الأزمة كروية.. وبالفعل حكمت المحكمة بإلغاء قرار اتحاد الكرة وعودة المسابقات الرسمية الإسبانية.. ومن الممتع والضرورى أيضا متابعة الإعلام الإسبانى، وكيف قام بتغطية هذه القضية بكل تفاصيلها ومعاركها.. والاتحاد الإسبانى أيضا الذى لم يلجأ للفيفا صارخا بالتدخل الحكومى، لأنه ليس مثلنا فى مصر، ويعرف جيدا أين تنتهى حدود الفيفا، وتبدأ سلطة الحكومة.. ولم يعلن أى مسؤول كروى إسبانى إرسال الفيفا خطاباً يطالب فيه بعودة الدورى وإلا تعرضت الكرة الإسبانية لقرار التجميد.. ولم يكن هناك طوال الوقت أى تبادل للاتهامات، سواء بالخيانة أو الفساد.. فهم مختلفون بشكل حاد وجذرى وصادم.. لكن لم يتخيل أحدهم أنه بمفرده الذى يرعى مصالح الكرة الإسبانية، ويحافظ على حقوقها.. كما لم تكن هناك أيضا أى تعليقات ساخرة أو شتائم أو إهانات ينثرها الجميع هنا وهناك.. فالإسبان يعرفون أنهم لا يملكون خفة الدم الفظيعة التى نملكها فى مصر.. كما أنهم، مثل شعوب أخرى كثيرة جدا، مقتنعون بأن النكتة أو السخرية أو الشتيمة لم تنجح أبدا فى حل أى مشكلة أو منع أى كارثة أو إصلاح أى خطأ.. باختصار، نحن أمام دروس كثيرة جدا، لابد من التوقف أمامها والتعلم منها أيضا.

(المصدر: المصري اليوم 2015-05-17)