"الفلاشا" بين مخالب العنصرية
انفجرت العنصرية مجددا داخل مكونات مجتمع اليهود الصهاينة في اليومين الماضيين، ولم تهدأ بعد، إثر اندلاع مظاهرات احتجاج قام بها "يهود الفلاشا" ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية تجاههم، حيث أسقطت عددا من المصابين من الطرفين، لتفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات أكثر خطورة ستحرّكها وتغذّيها ظاهرة العنصرية في إسرائيل.
هذه العنصرية تطال كافة مناحي حياة اليهود الإثيوبيين "الفلاشا"، حيث يعمل غالبيتهم في وظائف خدمية متدنية، ويسكنون في أحياء فقيرة، ومعزولة نسبيا عن باقي شرائح اليهود، كذلك يحظر عليهم ارتياد بعض الأماكن العامة، واستخدام حافلات الركاب في عدد من المدن، وكثيرا ما يتعرضون للضرب والتعذيب والإهانة في الشوارع، وتتفشى بينهم ظواهر العنف وتعاطي المخدرات وتزداد بينهم نسبة العاطلين عن العمل.
"اليهود الفلاشا" يزعمون أنهم من نسل ملكة اليمن بلقيس، وهم الذين تم نقلهم إلى إسرائيل من إثيوبيا في عمليات سرية في ثمانينيات القرن الماضي، ولم يستطع المجتمع الصهيوني استيعابهم دينيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، رغم مرور عشرات السنين منذ وصولهم إلى إسرائيل، ويتعامل الإسرائيليون معهم بعنصرية فائقة كشفت عن نفسها في مئات الحوادث والمواجهات، وتعني كلمة "فلاشا" باللغة الأمهرية "المنفيون" أو "الغرباء".
ما كان لهذه الاحتجاجات أن تمر مرور الكرام، خاصة أنها تشير إلى توجه عام لدى إسرائيل ومستوطنيها من اليهود الصهاينة، يجسّد نظرتهم الدونية تجاه يهود الفلاشا، الذي يصل عددهم إلى نحو 135 ألف نسمة، والذين ضاقوا ذرعا، بـ" وطن" ظنوا أنه سيفيض عسلا ولبنا عليهم، ويعوضهم عن أيام الفقر والحرمان في بلدهم الأم، فوجوده مستنقع للعنصرية والتمييز والحقد والكراهية.
وقصة التظاهرات الأخيرة بدأت بعد انتشار مقطع مصوّر التقطته إحدى كاميرات المراقبة لاثنين من عناصر الشرطة الإسرائيلية البيض يعتديان بوحشية على جندي إسرائيلي أسود اللون من أصول إثيوبية، يرتدي زيه العسكري، فأثار موجة من الغضب بين اليهود الإثيوبيين، الذين قدموا كل شيء لدولة الاحتلال وتجندوا في جيشها، وحاولوا الانخراط فيها فلم تقدم لهم سوى العنصرية.
ولا يمكن الحديث عن العنصرية والتمييز العرقي بين المكونات اليهودية للمجتمع الإسرائيلي، دون الإشارة إلى الممارسات العنصرية التي تتسع دائرتها لتشمل الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948، ولتتجاوزهم إلى باقي الفلسطينيين، حيث تؤيد غالبية اليهود فكرة الفصل العنصري.
وتتجلى ظاهرة العنصرية الإسرائيلية ضد العرب الفلسطينيين في قانون يهودية الدولة، الذي يهدف إلى تحديد هوية دولة إسرائيل بصفة "دولة اليهود "، وفي هذا دلالة واضحة على عمق هذه الظاهرة.
وتدفعنا هذه الظاهرة للعودة إلى تعاليم "الهالاخاة" في الشريعة اليهودية التي تعتمد التمييز بين اليهودي وغير اليهودي في كل مجالات الحياة، وهو الأمر الذي يتجلى في أخطر صوره عبر احترام حياة الأول مقابل الاستخفاف بحياة الثاني، ويقول المعلق السياسي ناحوم بارنيا في صحيفة (يديعوت أحرونوت) "إن كراهية الآخر أو أي شخص ينظر إليه على أنه الآخر ليست متأصلة بعمق فحسب، وإنما تلقى تشجيعا من سياسيين".. وإلى الخميس المقبل.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-05-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews