أحمد معاذ الخطيب.. عودة الشيخ إلى حماه
لم يكن بخطر ببال أحد منذ بدأت الثورة السورية قبل أكثر من سنتين أن رجل دين وخطيب جامع مشهور سيرأس جسما سياسيا للمعارضة حتى لو كان معتقلا سابقا بسبب نشاطه فِي دعم المظاهرات المطالبة بالتغيير في سوريا. تعيين الشيخ أحمد معاذ الخطيب رئيسا لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية شكل مفاجأة للجميع ورغم ذلك استقبل بقبول شعبي واسع حتى بين أطياف اليسار وغير المسلمين، فقد ظهر في ظرف الحديث عن هيمنة الإسلاميين على المعارضة في السياسة والعسكرة معا، مثل حضوره رمز اعتدال يرمز للإسلام السائد في سوريا. اليوم ستة أشهر مرت على ذلك التعيين، وبعدما بدا للسوريين أنه سيكون طرفا في حل تعقيدات المعارضة السورية تبيّن أنه كان جزءا منها.
سحر أحمد معاذ الخطيب الكثيرين بفصاحة لسانه، خصوصا وهو يستحضر الأحاديث والآيات التي تحث على المحبة والسلام والتسامح والاعتدال بعيدا عن التطرف. وبدا متواضعا بسيطا متاحا للجميع لدى أي تعليق أو استفسار. ساعده على ذلك تواصله اليومي على وسائل الإعلام الاجتماعي من «فيس بوك» و«تويتر». إلا أنه ومع تصاعد حراك الائتلاف ومقابلته لمسؤولين إقليميين ودوليين بدت عفويته عبئا على دوره السياسي، مثل مبادرته الشهيرة التي أطلقها على صفحته في الـ«فيس بوك» للحوار مع النظام قبل أن يتشاور حولها مع بقية أعضاء الائتلاف. ويبدو أن من مثالب التواصل الاجتماعي على العمل السياسي سرعة الإعلان عن الأفكار والخواطر التي تصير قرارات فردية بمجرد أن يطلقها القادة، وهو ما استغله الأستاذ الخطيب، فخرج الـ«فيس بوك» عن كونه صلة تواصل تقرّبه من الناس إلى وسيلة الإعلان عن آراء تشوش على مسار الثورة والمعارضة اللتين لا ينقصهما أي تشويش. كل انفعال صغير ينشره على صفحته يتحول إلى خبر صحافي سريع على الفضائيات والصحف، من مبادرته المبسطة الموجهة لبشار الأسد وبقيت لغزا بمحدودية مطالبها، إلى خبر استقالته النهائية من رئاسة الائتلاف مؤكدا أنه أعلن عنها «البارحة في اجتماع الدول الصديقة في إسطنبول».
بدا عفويا للناس العاديين وهذه إيجابية لصالحه، لكنها ليست كذلك للتعامل مع العالم. صحيح أنه لا يملك الخلفية السياسية القيادية مثل كثير من المعارضين السوريين الآن، لكنه في الحقيقة لم يرغب أن يتصرف كقائد سياسي، فقد أصر أن يستمر وأن يخاطب جمهوره والعالم بذات اللغة التي تمكن منها لسنوات طويلة، لغة الخطابة الدينية بمفردات روحانية مثل «الاستخارة» التي من الواضح أنه يفضلها. و«الاستخارة» مفردة تتماشى مع استخدام الشيخ الخطيب لصيغة «الأنا» في خطابه السياسي المغرّد بعيدا عن مجمل الائتلاف. ففي رسالته إلى قائد حزب الله، مثلا، خاطبه بصفته أحمد معاذ الخطيب حتى لو ذيّل توقيعه بصفته رئيسا للائتلاف. بل إن ضمير «الأنا» يتقرب من أنا القائد المتفرد الذي يركز القرارات العامة به لأنه الأعلم بالمصلحة العامة، تكشفها عبارات تفلت منه مثل عبارة أخيرة يدافع فيها عن اتصالاته مع أفراد من النظام السوري يقول فيها: وأؤكد للجميع أن عندي من الشجاعة أن أجهر «بما أعتقد أنه الصواب»!!. ويكمل في فقرة أخرى: كل قراراتي بلا استثناء كانت بعد تشاور مع كثير من الأطراف «ولست ملزما بذكر تلك الجهات لأي طرف»!!
كل ما بدا إذن أنه شفافية وعلنية على الـ«فيس بوك» لم يكن كذلك. فالشيخ معاذ أخفى اتصالاته مع أطراف من النظام، وعندما تمرر صحيفة سورية محسوبة على المعارضة أخبارا عن ذلك التواصل، يهاجمها على صفحته طالبا من المعجبين أن يشاركوا في ترويجها متهما الصحيفة بأنها تشن عليه «حملة تخوين». لقد كان متوقعا منه بصفته قائدا لأكبر جسم معارض أن يتعامل مع تسريبات الجهة الإعلامية بالتعليق على ما ورد فيها. لكنه قرر أن يتجاهل الرد السياسي مكتفيا بالرد الشخصي البحت. وزاد عليه بما أكد على تفرده بالموقف الذي يخص مجمل السوريين بقوله: لم أعط وعدا لأحد ببقاء الأسد لأي وقت ما، و«عندما أفعل فسأعلن ذلك». من يتكلم الآن الشيخ معاذ أم رئيس الائتلاف؟ إن كان بصفته الأولى فهو لا يملك السلطة لأن يعطي وعدا للنظام، وإن كان بصفته الثانية فهو لا يملك السلطة المتفردة في جسم سياسي بني على أساس عدم الحوار مع النظام. في الكلام عودة إلى تقاليد القائد المتفرّد بقراراته ورؤيته، الأعلم بمصلحة الأمة، خصوصا عندما يتكئ على خلفية ثقافية تدعم توجهه بحكم كونه خطيب جامع داعية، يقول في مجلسه ويجتهد بما لا يقاطعه فيه أحد من المصلين والمريدين، كونه الأفهم والأعلم دينيا. لكن هذه الثقافة لا يمكن أن تُطبق على العمل السياسي حكومة أو معارضة. لقد عمل الشيخ معاذ متفردا حتى بات هو مؤسسة قائمة بذاتها (مؤسسة الرئاسة) بينما الائتلاف مؤسسة تعمل في مكان آخر.
تعطينا تجربة رئاسة أحمد معاذ الخطيب لجسم سياسي نتيجة مفادها أنه لن تنجح فرص رجال الدين في معترك السياسة بسوريا المقبلة، بعد أن قدم أفضل المعتدلين منهم نموذجا سيئا خارج مجاله.
عمليا انتهت فترة حكم أحمد معاذ الخطيب وسينتقل مرة أخرى من كرسي السياسة إلى كرسي الخطيب الفصيح صاحب الخطاب المعتدل الذي يدعو إلى التسامح والتعايش الذي يدخل الطمأنينة إلى قلوب السوريين عموما من مسلمين وغير مسلمين، وهو دور مطلوب منه ومحمود، والخطاب وقتها لن يكون شاذا لأنه متمكن منه يقوله بصفته من داخل المنظومة التي يتحدث بلغتها لا من خارجها كما حصل في دوره السياسي القيادي الذي شكل أكبر اختبار لتورط رجل الدين بالسياسة.
( المصدر : الشرق الأوسط )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews