السوري بين موتين : سورية الأسد أو البحر
" شكراً للبحر الذي استقبلنا بدون فيزا.. وشكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي".
هذه بضع كلمات من رسالة وداعية كتبها لاجئ سوري قبل غرقه في مياه البحر الأبيض المتوسط في مركبٍ كان يحوي المئات من المهاجرين ممن يطلق عليهم " غير الشرعيين " خلال رحلتهم للوصول إلى الشواطئ الأوروبية مطلع الأسبوع الماضي.
ليس المهم معرفة هوية صاحب هذه الرسالة الوداعية الأخيرة، هل المهم فعلاً معرفة اسمه؟ أو من أي مدينة هو قادم ؟ ما هو عمره ووضعه الاجتماعي ؟..
يكفي أننا نعلم يقيناً أنه سوري " لاجئ " هارب من الحرب في بلاده وجحيم بشار فاحتضنه البحر.
يومياً نسمع عن غرق مراكب تحمل مهاجرين سوريين " غير شرعيين " في مياه المتوسط ، نتابع الخبر عبر وسائل الاعلام كافة، ونشاهد صوراً لانتشال الجثث في مدةٍ أقصاها الخمس دقائق يذيع فيها الخبر عدد الموتى غرقاً ، فقد أصبحوا أرقاماً!!
آخر هذه الأخبار غرق ما لا يقل عن ٨٠٠ لاجئ سوري في مياه المتوسط قرب السواحل الإيطالية !! ما هذا الرقم بحق كل الأديان والكتب السماوية والأعراف الدولية والمنظمات الحقوقية؟؟!!
كيف يبقى العالم صامتاً أمام هول هذه الكارثة البشرية؟ هذا الذي اجتمع قادته صفاً واحداً في باريس ضد العملية الإرهابية التي قام بها إرهابيون أصوليون ضد جريدة تشارلي إيبدو الساخرة والتي أودت بحياة ١٢ من الرسامين والصحفيين العاملين فيها في مطلع يناير ٢٠١٥؟!!
أي عالم هذا الذي نعيش فيه يشهد مثل هذه التراجيديا البشرية ويسمح لها بالاستمرار يومياً ولأربع سنوات مضت دون التحرك لمنع المأساة وإيقاف الموت.
رحلاتٌ يومية تحمل الكثير من الأمل والحلم للمهاجرين وتكلفهم مبالغ مالية مرتفعة لا تقل عن ٤٥٠٠ يورو تنتهي أغلبها بالموت غرقاً.
رحلاتٌ أصبح لها سماسرتها ومهربوها وعصاباتها، أصبحت "مافيا "حقيقية هدفها الربح السريع والمال الكثير مستغلين بذلك مأساة السوريين وأوضاعهم المعيشية الصعبة في سورية ، ذلك الوطن الذي دمره بشار الأسد ونظامه وأعوانه وحولوه إلى جحيمٍ لأبنائه وأهله.
ولكن : رغم قساوة التجربة وخطورتها ، يبقى السوريون مُخيرين بين موتين : سورية أو البحر ..
قد يكون البحر للبعض رغم خطورة المغامرة أقل قسوةً وعنفاً من الموت قتلاً بالقناص أو البرميل المتفجر أو الكيماوي الخانق ، أهون من الاعتقال والتعذيب، أسرع من التشرد والحصار والموت برداً وجوعاً.
ورغم الاتفاقيات الكثيرة التي صدرت بشأن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وتعزيز إجراءات الاتحاد الأوروبي لمواجهتها عن طريق إرسال المزيد من السفن والطائرات إلى المنطقة، وإمكانية إجراء عمليات عسكرية في مياه البحر ضد المهربين الذين يقومون بتسفير المهاجرين غير الشرعيين ، إلا أن أيا منها لم يتم العمل به أو تنفيذه مما يضع الاتحاد الأوروبي أمام مسؤولية تعريض هؤلاء المهاجرين لخطر الموت غرقاً.
قد لا يعي الرؤساء والقادة الأوربيون أن مزيداً من المخاطر والتجاوزات سيتعرض لها اللاجئون والمهاجرون إذا كان الحل يعتمد فقط على ملاحقة المهربين ومراكبهم دون العمل على معالجة العوامل التي تدفع بالمهاجرين اليائسين أساساً إلى القيام بمثل هذه الرحلات الخطيرة عبر البحر.
إن أزمة سورية اليوم باتت مسؤولية عالمية ، ومن واجب الجميع بذل الجهد لإنهائها، وأي حديث لا يستبعد الأسد من هذا الحل سيؤدي إلى مزيد من الموت والكوارث البشرية بحق السوري الذي يمتلك وطناً ، وكل ذنبه أنه يريد أن يعيش فيه بكرامة .
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews