علاقات اجتماعية تتأزم بسبب "مواقف بسيطة"!
جي بي سي نيوز - “نحن في زمن وجب علينا الحذر في تعاملاتنا كي لا نُفهم بشكل خاطئ فيساء الظن بنا”، بهذه الكلمات بدأت الأربعينية أم مصطفى سردها لقصة أحدثت خلافا كبيرا لسبب “لا يذكر” حسب وصفها، قائلة “قمت بنصيحة بنات أختي على خطأ ظهر منهن، وحرصاً مني كي لا يتكرر وضحت لهن أخطاءهن وردة الفعل السليمة لمواجهة أي موقف غير مرغوب فيه”.
وتضيف “تفاجأت حقا بردة فعلهن وهجومهن برمي الكلام الجارح، بأنني لست أهلاً لتوجيههن وأنهن أفهم مني في مجاراة هذا الزمن”.
وتشير إلى أنه ومنذ ما يقارب العامين وهنّ يعاملنها بكل رسمية، وكأنها غريبة عنهن فتشعر بجفاء مشاعرهن، حتى أختها عجزت عن تغيير ما بداخل قلوبهن حتى الآن، لكنها تؤكد أنها لا تهتم بما يفعلن، وسيأتي يوم ويندمن على ذلك.
تتأزم العلاقات الاجتماعية أحيانا بسبب “مواقف بسيطة” تحدث “فجوة جارحة” في القلوب، وتكتسي فجأة بقسوة مخيفة، وتمسح كل ما هو جميل، وتجني معها الكثير من المقاطعة، ثم تتحول مع مر السنين إلى تراكمات من الحقد والكراهية، لتبدأ مرحلة جديدة تسودها الأجواء الغائمة التي لا يشفع لها قرب قريب، ولا حتى “العيش والملح”، وذكريات السنين.
تقول فدوى علاء الدين “قاطعنا أخي بسبب غضب زوجته من تذمر والدتي من إزعاج أولادها، فوالدتي كبيرة بالسن لا تتحمل كثرة الإزعاج وصراخ الأبناء، وتحتاج للهدوء والراحة فهي تنام مبكراً وزوجة أخي لا تحلو لها الزيارات إلا بعد العشاء في وقت راحة والدتي”.
وتضيف “حدثتها مراراً أن تبكر في زياراتها، حتى تأنس والدتي بهم، لظرفها الصحي ولكن بدون فائدة جنيناها إلا قطيعة أخي لنا، فله ما يقارب الثلاثة أشهر لم يأت لزيارتنا”.
ويروي الخمسيني أبو محمود، المشاجرة التي نشبت بين رجلين أثناء تواجده في المخبز، وذلك لمحاولة أحدهما تجاوز الاصطفاف في الطابور لشراء الخبز.
عبر الجميع عن استيائهم من سلوك ذلك الرجل، لكنه لم يكترث بالأمر، فأثار غضب أحدهم وأمسك بيده قائلا “هناك دور وعليك الالتزام به كالآخرين، تفضل وارجع للوراء”.
احتد الشجار بين الطرفين وبدأ التراشق بالألفاظ النابية بينهما، وحاول أبو محمود والموجودون فك النزاع بينهما لكن بدون فائدة، فلم يسمعا أو يستجيبا لأحد.
يرى الاختصاصي النفسي خليل أبو زناد، أن ظاهرة المشاجرات لأتفه الأسباب تصيب كل طبقات المجتمع، فالناس بشكل عام يسود عليهم التوتر والضغط النفسي، مما ينعكس سلبا على علاقتهم ببعضهم بعضا.
ويقول “نحن مجتمع مضطرب وعصبي، وعاداتنا وتقاليدنا بالقوة والشهامة تزرع في أطفالنا منذ الصغر بمفهوم خاطئ، وهو أخذ الحق باليد، اللي ضربك اضربه، ولا نستطيع استبدالها بمقولة العفو عند المقدرة”.
وليست هناك توعية وتوجيه من قبل الأهالي، وفق أبو زناد، ويغيب الاحترام بين الناس، ويضرب مثلا أثناء تواجده في بريطانيا أنه اصطدم بالخطأ بامرأة في الشارع، فسرعان ما بادرت بالاعتذار له، والمشهد نفسه حدث في عمان، فكانت إجابة المرأة (فتح يا أعمى).
وتعبر ديمة صالح (37 عاما)، وهي ربة منزل، عن استيائها وغضبها للمشاجرات التي تحدث بين الصغار والتي يضخمها الكبار، وتتطور أحيانا لتطال الجميع بدون استثناء الرجال أو النساء.
وتروي قصة تعرضت لها جاراتها قبل فترة، وتقول “كنا جارات نتعامل كأسرة واحدة يسود بيننا التفاهم والأخوة، ونتزاور في كل المناسبات، وكنا نلتقي أسبوعيا في منزل إحدانا بالتناوب”.
كان يسود فرح غامر وسعادة لا توصف أثناء اللقاء بين الجارات، حسب قولها، إلى أن كان ذلك اليوم المشهود حينما تشاجر أطفال جاراتي مع بعضهم بعضا، وحدثت بينهم معركة، ولم تنته المعركة عند حدود الأطفال بل تطورت لتطال الكبيرات والأزواج فيما بعد.
وتضيف “كبرت المشكلة وتفاقمت وسادت القطيعة بين الجيران، وحاولت صالح وبعض الجارات إنهاء المشكلة لكن بدون جدوى، ولعل ما زاد الأمر عجبا واستغرابا عندما انضمت كل جارة من الجارات لأحد الفريقين وسادت القطيعة مكان اللقاء”.
وترى أن سبب المشاجرات بين الأطفال هو الأنانية وحب السيطرة، ويرجع هذا لأن بعض الأهل لم يعلموا أبناءهم الإيثار منذ الصغر، وتتنامى لديهم الأنانية ويكبر العنف وعدم الشعور بالمسؤولية، وتتطور الأمور بشكل ملحوظ وتتحول لظاهرة العنف بين الطلاب في الجامعات.
يرجع هذا الموضوع للقيم لدى الأسرة، وفق الاختصاصية الأسرية والإرشاد التربوي سناء أبو ليل، فهي تحدد شخصية الأسرة كاملة، والأم والأب هما من يعملان على زرع هذه القيم داخل أبنائهما وتعزيز قيمة الاحترام، والترفع عن سفاسف الأمور.
وتضيف “التسامح ليس ضعفا، والقوة عندما نملك أنفسنا أثناء الغضب والشخص القوي هو الذي ليس من السهل استفزازه”.
وتؤكد أن الأسرة الصغيرة هي امتداد للكبيرة؛ فثقافات الناس بزرع قيم داخل الأبناء، والوعي يأتي من الاطلاع والتفكير وهنا تسمو الأسرة التي تحافظ على القيم والأخلاق وتتكون أسرة مميزة ويشار إليها بالبنان وتخرج نماذج فعالة في المجتمع.
ويرجح الاختصاصي الاجتماعي حسين خزاعي، السبب الرئيسي في هذا الموضوع إلى أن وسائل الضبط الاجتماعي غير الرسمي مثل الأسرة والأقارب والجامعة والمسجد بدأت تفقد دورها في عملية ضبط وإرشاد المواطنين نحو اتباع الطرق السليمة في التعامل مع بعضهم بعضا.
ووفق خزاعي، تأثر المجتمع أيضا بقيم غربية مثل التنافس غير الشريف من أجل الوصول، وعدم الاحترام وحب الذات والمبالغة والمباهاة، وانتشرت لدينا وسببها غياب التوعية من الأهل.
ويقول “وللأسف نشهد ثقافة أخذ الحق باليد واللجوء إلى العنف بشتى الوسائل والطرق وتفاقم المشاجرات لأتفه الأسباب وتصعيدها”.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews