حول علاء وجمال وغيرهما من الأنجال
عبدالناصر كان أبعد الحكام- هو وأنجاله- عن الفساد المالى. السادات أسس نظريات الإثراء السريع، أقاربه- وليس أنجاله- اقتربوا من الفساد بقوة. مبارك صمد فى وجه الفساد أولى سنوات حكمه، وفى أواخرها كان الفساد هو سيد الموقف، نجلاه لم يشغلا وظائف رسمية، لكن أحدهما ذاع صيتُه فى البيزنس، وثانيهما فى السياسة، مشهد مبارك ونجليه- فى قفص الاتهام- كان إشارةً إلى حقبة بأكملها وليس إلى شخص الحاكم وأسرته فقط.
لكن للإنصاف: غرق كل الأنجال- ربما دون استثناء- فى الفساد بكافة أشكاله وألوانه. أنجال الوزراء، أنجال رؤساء الوزراء، أنجال المستشارين، أنجال اللواءات، أنجال الدبلوماسيين والسفراء، أنجال المحافظين، بل أنجال قيادات ورموز حزبية ظاهرها المعارضة وباطنها تبادل المنافع والمفاسد مع رجال فى أجهزة الإدارة، أنجال الأكاديميين الكبار من رؤساء الجامعات وأمثالهم، أنجال نواب البرلمان، أنجال القيادات الإعلامية. تقريباً كل أنواع الأنجال غرقوا فى كل أنواع الفساد المتاح حسب موقع الأب من السلطة، وحسب شبكة علاقاته، وحسب درجة تحصينه ومناعته ضد الحساب والمساءلة، فى حقبة أُلغيت فيها مادةُ الحساب، ومُنع فيها مقرر المساءلة.
كل ما استطاعته ثورة 25 يناير هو تقديم أبٍ واحدٍ فقط للمحاكمة هو رئيس الجمهورية- ومعه عدد قليل من الآباء- ولكنها لم تصل إلى عشرات الألوف من الآباء الفاسدين فى كافة مواقع المسؤولية العامة، الذين وَرَّثوا أنجالهم وظائف لا يستحقونها، والذين مكنوا لأنجالهم فرص الثراء السريع فى أسواق البيزنس دون استحقاق إلا الاستفادة من وظيفة الأب، ومن علاقات الأب، ومن شبكة تبادل المنافع والمصالح الفاسدة التى يتحرك من خلالها الأب.
كذلك، فإن كل ما استطاعته ثورة 25 يناير هو تقديم نجلى الرئيس الأسبق فقط للمحاكمة، دون سواهما من عشرات الألوف من الأنجال، وهم- بالفعل- عشرات الألوف حين تُحصيهم على مهل وفى أناة فى كافة قطاعات الدولة قطاعاً قطاعاً، أفقياً ورأسياً، فقد بسط فسادُ الآباء والأنجال ظلاله على كل موقع من توزيع الأراضى إلى بناء المساجد.
فسادُ الآباء وتربح الأنجال: هو أوسع وأعمق ظواهر الاجتماع والسياسة والاقتصاد فى مصر، بدأت فى عهد السادات، وأصبحت هى الأصل فى الثلث الأخير من عهد مبارك، ثم هى- الآن- باقيةٌ على حالها دون مساسٍ بها، تحاول أن تشق طريقها إلى الأمام، مع آباءٍ جدد وأنجالٍ جدد، يشجعهم على ذلك:
رقم واحد: إفلات كل شبكة الآباء- الأنجال القديمة، من أى مساءلة أو محاكمة: من أين لك هذا أنت وابنك؟ أو من أين لك هذا أنت وأبيك؟ فلم يحدث أن سُئل أحدُهما أو كلاهُما عما يكنزان من ثرواتٍ حرام، فلو كان فى هذا البلد عدلٌ، لما كان مبارك ونجلاه فقط فى القفص، بل ألوف مؤلفة من الآباء فى كل موقع- بما فى ذلك وزارة الأوقاف نفسها- مع ألوف مؤلفة من الأنجال بمن فى ذلك أنجال وجوه سياسية يُشاعُ عنها نزاهة اليد، وبمن فى ذلك أنجال وجوه إعلامية يُذاعُ عنها طهارة الذيل، وبمن فى ذلك أنجال وجوه دبلوماسية سوف تقع من طولك إذا عرفت حجم الثروات الأسطورية التى استحوذوا عليها فى لمح البصر أو هو أقرب.
رقم اثنين: تخليد الموظفين العموميين والسياسيين والحزبيين والتنفيذيين الكبار فى عهد مبارك، وتمييز أقلية من رجال الأعمال المقربين، واستمالة واسترضاء بعض الأجهزة ذات الطبيعة الخاصة وإغواؤها بالفساد حتى يتم إسكاتُها، كل ذلك خلق التربة الصالحة والآمنة التى ترعرعت- ولاتزال تترعرع- فيها هذه الظاهرة الأخطر: فساد الآباء- تربح الأنجال.
رقم ثلاثة: الجانب الوطنى من ثورة 25 يناير، أى المشاركة الشعبية المحضة، أى التى ليست جزءاً من التدخل الأجنبى، هذه الثورة- فى جانبها الوطنى- كانت احتجاجاً على ظاهرة الآباء- الأنجال، صحيح أن الرئيس الأسبق ونجليه كانوا يمثلون قمة الجبل، لكنها تبقى قمته فقط، ومازال الجبلُ- بأكمله- جاثماً على مراوح البلد. ومازال هو السبب فى هذا التفاوت الطبقى والاجتماعى الصارخ، بين أقلية من الأغنياء بالحرام، وأغلبية من الفقراء بالإكراه.
آخرُ الكلام: من وقفوا وراء مجىء الإخوان إلى الحكم، أى نقل شاسيه السلطة فى مصر من الجيش إلى الجماعة، هُم من كانوا وراء فكرة التوريث، أى نقل السلطة من الرئيس الأسبق إلى النجل، وفى الحالتين كان هؤلاء هم الأمريكان. وما لم يفهمه النجل، وما لم يفهمه الإخوان، أن ذلك كان من باب التجريب، كان نوعاً من الهندسة السياسية يحاوله الأمريكان، وينتظرون ليروا: أينجح أم يفشل؟! يعنى هل يتقبله الشعب المصرى أم يرفضه؟!
أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت.
(المصدر: المصري اليوم 2015-04-12)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews