اليوم العالمي للتوحد تذكير بواجبنا نحو هذه الفئة من أطفالنا ومواطنينا

جي بي سي نيوز - منذ العام 2007، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثاني من نيسان (ابريل) من كل سنة يوما عالميا للتوعية بالتوحد، ولشحذ الهمم وتوحيد الجهود للتعامل مع هذا الاضطراب النمائي.
إننا في الأردن ومن خلال وزارة التنمية الاجتماعية والمجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين وشركائنا من مؤسسات المجتمع المدني، نعتبر هذا اليوم، اليوم العالمي للتوعية بالتوحد 2015، فرصة للتذكير بهذه المسؤولية واستنهاض الهمم للتعامل مع هذا التحدي بأسلوب علمي مدروس وعمل جماعي منظم ينخرط فيه كل المعنيين من مؤسسات حكومية وأهلية وأهال ومدرسين وأفراد المجتمع ككل.
ونستلهم في هذا المسعى ما نراه من اهتمام جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم بشعبه عموما، والفئات المهمشة خصوصا، وما نرى منه من لمسة حنونة ولفتات إنسانية نحو كل مريض ومحتاج وعاجز.
ولغاية الآن، لم يجد الطب علاجا ناجعا شافيا لهذا الاضطراب النمائي، مما يجعل من التعريف الموحد موضع اجتهاد واختلاف، إلا أن التوحد هو عبارة عن خلل عصبي (وظيفي) في الدماغ، يظهر في السنوات الثلاث الأولى من العمر ويمكن اكتشافه مبكرا، ويتجلى لدى الأطفال على شكل صعوبات في التواصل مع الآخرين وفي استخدام اللغة بشكل مناسب، والتفاعل الاجتماعي، واللعب التخيلي إضافة إلى ظهور أنماط من السلوك الخارجة على المألوف في الأطفال الطبيعيين، ويكون لدى الأطفال الذكور بنسبة أعلى مما يصيب الإناث.
وهنا لابد أن نشير إلى أن اضطراب التوحد ورغم معاناة الأهالي منه، إلا أن هنالك نواحي إيجابية متمثلة في ذوي المواهب ممن يعانون منه، وخير دليل على ذلك ما يروى عن أسماء لامعة في العالم عانوا في طفولتهم من أطياف التوحد، إلا أن دعم الأهالي والمدربين السلوكيين من المتخصصين والمجتمع كانوا جميعهم أداة لتحقيق النجاح في مختلف أرجاء العالم.
ورغم ندرة هذه الظاهرة، إلا أنها تستحق العناية المتخصصة والانتباه من قبل الأهالي والمدربين، وبالتالي مؤسسات الدولة والتعليم والبحث العلمي لرعاية هذه المواهب، والتي تتنوع بين القدرات العلمية المتميزة والفن واللغة.
ونقول دوما إن وجود طفل مصاب بالتوحد في أسرة لهو تحد لأفرادها، ولكنه أيضا أمانة لديها لا بد من تأديتها بكل عزم وحنان ليوفق رب العالمين هذه الأسرة في مسعاها.
إن توفير قاعدة بيانات إحصائية شاملة تدرج فيها حالات التوحد كافة في الأردن وما يتعلق بها، بالتعاون مع المجلس الأعلى للمعوقين ومنظمات المجتمع المدني، سيعني حصر واقع التوحد بالمملكة، مما يساعد بشكل جوهري على وضع السياسات والتشريعات والبرامج المناسبة للتعامل مع التوحد.
كما نجد في اليوم العالمي للتوحد فرصة للتركيز على تأهيل الكوادر المتخصصة في التعامل مع مختلف أطياف التوحد من خلال المدربين القادرين على تطبيق أحدث البرامج العالمية السلوكية والتي أثبتت نجاعة في تحسين سلوكيات الأطفال.
وتتجلى أهمية توفير مساقات، أو حتى أقسام، متخصصة في التوحد من قبل مؤسسات التعليم العالي لطلبة الجامعات في أقسام التربية الخاصة، مما يضع علامة فارقة خلال السنوات المقبلة لتأهيل الكوادر اللازمة، لا سيما في ظل نقص في هذه الكفاءات في المجتمع المحلي ودول الخليج العربي، مما يسهم بتحقيق النفع لأطفالنا ولغيرهم، ليبقى بلدنا موطنا ومصدرا للكفاءات المؤهلة والمدربة التي تلبي احتياجات السوق.
كما نستلهم من هذا اليوم ضرورة القيام بالحملات التوعوية والتثقيفية حول هذا الاضطراب النمائي وكيفية التعامل معه، وأهمية معرفة الأسر بالدور المناط بها، سواء بالكشف المبكر الذي يسرع ويحسن أداء الأطفال، إلى جانب توجيه هؤلاء الأطفال بما يتناسب مع قدراتهم ليكونوا أفرادا منتجين مندمجين بمجتمعهم الذي يرعاهم ويحبهم ويساندهم. ولعله لا بد في هذه العجالة من التركيز والإشادة في آن واحد على ما تقوم به مختلف الجهات المعنية في عملية دمج المعاقين عموما وأطفال التوحد خصوصا لحاجتهم الماسة للتواصل الاجتماعي للتغلب على هذه الاضطرابات.
إن العديد من قصص النجاح المذهلة في العالم سطرتها أمهات وآباء الأطفال المتوحدين. ورغم معاناتهم استطاعوا إنقاذ أطفالهم من عالم الانطواء والعزلة الذي يعيشون فيه، ومنهم أبناء لهذا الوطن الذي يرى أن الإنسان هو كنزه الحقيقي. فدعونا نتكاتف جميعا لتوفير البيئة الملائمة لتحقيق الإنجازات ولينعم أطفالنا بطفولة آمنة تبشر بمستقبل لمواطن منتج ينتمي لثرى وطننا الغالي.