الانتخابات و”فشل” الإعلام “الإسرائيلي”
في هذه المرة، لم يكذب المنجمون، بل كذب المحللون والمعلقون والإعلاميون والمستطلعون، وطبعاً السياسيون، وذلك في شأن انتخابات الكنيست العشرين، (ونظراؤهم الذين صدقوهم في الخارج)! لقد كانت بينهم اختلافات، لكنهم أجمعوا تقريباً على أمر واحد هو أن حكم بنيامين نتنياهو قد انتهى بلا عودة، وجاءت النتائج لتسقط كل تكهناتهم، ولتعطي نتنياهو نصراً لم يحلم به هو نفسه! ومن أجل التغطية على الفشل الذريع لجأوا إلى اختلاق الأعذار واصطناع "المعجزات" التي "خبأها" لهم نتنياهو لربع الساعة الأخيرة، وكان لها - في رأيهم - الفضل في تحقيق النصر الكبير الذي حققه شخصياً، وكذلك حزبه!
فكيف حدث ذلك؟
في افتتاحيتها لصحيفة ("هآرتس" 20-3-2015)، رأت هيئة التحرير، أن أحد أسباب فوز نتنياهو أنه "أزاح عنه كل الأقنعة وعرض حقيقته اليمينية- القومية المتطرفة دون رتوش"! في الوقت نفسه، رأت أن "أحد أكثر الأسباب حسماً (في فشل هيرتزوغ ومعسكره) هو استمرار سياسة النعامة لدى حزب العمل الذي يهرب منذ بضع سنوات من الموضوع السياسي، ولا سيما من المسألة المتعلقة باستمرار الاحتلال" .
جدعون ليفي في (هآرتس- 22-3-2015)، ذهب المذهب نفسه، ولكن بكلمات أخرى، فقال: "لقد قال الشعب كلمته التي حركها أمران أساسيان حساسان: الخوف والكراهية . . . وبنيامين نتنياهو هو الوكيل الشرعي والناشر الوحيد لكليهما"!
ألوف بن، لم يبتعد عن سابقيه، ولكن بكلماته أيضاً، فقال في (هآرتس- 19-3-2015): "جمهور الناخبين رغب في الوقوف إلى جانب اليمين الحقيقي"، وأن نتنياهو فاز لأنه "عرض على ناخبيه رسالة واضحة مفادها أنه اليمين الحقيقي، وملتزم بقيم المعسكر القومي وعلى رأسها كراهية العرب ومعارضة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، وهذا ما رغب ناخبوه سماعه فردوا عليه بسخاء في الصناديق"!
والسؤال الذي لا بد أن يطرح هو: ما الجديد غير المعروف عن نتنياهو وحزبه، وهيرتزوغ وحزبه، والتجمع الصهيوني ومكوناته وتوجهاته في كل ذلك، حتى يحصد الإعلام "الإسرائيلي" ذلك الفشل الذريع؟! منذ وصل ميناحيم بيغن و"ليكود" إلى السلطة في "انقلاب" ،1977 ونحن نسمع ونقرأ ونلمس "الانزياح الى اليمين"، وما حصل في العقود الماضية لا يشوش الصورة الواضحة لهذا الكيان وتطرفه وعدوانيته وتوسعيته وتوراتيته، حتى يوجد مبرر لكل ما قيل بعد الانتخابات الأخيرة . والتفسير الوحيد كان دائماً تعاون كل الأطراف "الإسرائيلية" من أجل التعمية على سياسات الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة، بهدف تحقيق الأهداف المشتركة بينها جميعاً والتي لا تختلف عليها، والاختلافات تظل في الهوامش وعلى الوسائل، وذلك لاستمرار التضليل والخداع في خدمة ذات الأهداف .
ومن الأدلة على ما نقول، ما قاله بعضهم في هذا المجال .
على سبيل المثال، كتب جدعون ليفي في (هآرتس- 18-3-2015)، وقبل أن تعلن النتائج الرسمية: "الاستنتاج الأول، ينبغي تغيير الشعب، فهذه الدولة في حاجة إلى ذلك وعلى عجل"! ورأى أن هذه الانتخابات "صبت الأساسات لدولة الأبارتهايد"! فهل كان الشعب قبل هذه الانتخابات غير ما ظهر فيه بعدها حتى يتظاهر ليفي بالصدمة ويطالب بتغييره؟
ألوف بن بدوره، كشف جانباً آخر يوضح أن لا جديد تحت شمس التركيبة الحزبية في الكيان الصهيوني، فقال في مقاله المشار إليه سابقاً: "التحرك الحاسم الذي أثّر في نتائج الانتخابات حصل داخل كتلة اليمين، وتحقق ذلك عندما عاد نتنياهو إلى عمق أساسه السياسي وتخلى عن محاولاته أن يبدو كرجل مركز معتدل"! بمعنى آخر، لم تتغير التركيبة في مجملها من حيث المواقف والمضامين السياسية .
محلل سياسي واحد رأى منذ البداية أن إقدام نتنياهو على تبكير الانتخابات كانت "مغامرة محسوبة"، وهو عربي من ال ،48 هو د . امطانس شحادة، وهو نفسه الذي خرج بنتائج أقرب إلى الواقع السياسي "الإسرائيلي" لا تسمح بالتظاهر أن "معجزة" حصلت وأعادت نتنياهو إلى السلطة، مع التحفظ على بعض صياغاته . وفي قراءته لنتائج انتخابات الكنيست العشرين (عرب 48- 21-3-2015)، وجد أن "من أبرز النتائج التي تعزز التوجهات القائمة في المجتمع "الإسرائيلي" في العقدين الأخيرين، أن انتقال المصوتين يكون داخل المعسكرات السياسية وليس بين المعسكرات" . وفي هذه النتيجة يتفق شحادة مع ما قاله ألوف بن، لكنه يختلف معه بأن هذا الانتقال جار منذ عقدين!
المهم أن شحادة يلخص قراءته، فيقول: "يمكن القول إن الانتخابات "الإسرائيلية" الأخيرة لم تحمل جديداً في المشهد السياسي والحزبي، ولا في القناعات السياسية لدى المجتمع "الإسرائيلي" . لكنها عززت التوجهات القائمة في المواقف السياسية والقناعات الإيديولوجية، وزادت من سيطرة اليمين ويمين الوسط . . ." .
وحده الجديد ربما، هو "الفشل" المعلن للإعلام "الإسرائيلي"!!
(المصدر: الخليج 2015-04-02)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews