الإنترنت والعزلة الاجتماعية
جي بي سي نيوز - بدأ الحديث في الآونة الأخيرة عن الدور الخطير الذي يلعبه الكمبيوتر في عزل الأفراد اجتماعيا وتفكيك العلاقات بين الأفراد في المجتمع، فغالبية الأشخاص يقضون وقتاً طويلاً في التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت، ما يؤدي إلى العزلة عن الآخرين خلال فترة الاستخدام، وهذا بدوره يفضي إلى إيجاد نوع من التفكك الاجتماعي، كما يؤدي انتشار الإنترنت إلى نشر أنماط جديدة من القيم والسلوكيات في المجتمع كله.
انطوائية الكمبيوتر
أصبح الآن في علم النفس ما يطلق عليه انطوائية الكمبيوتر، وتوجد هذه الحالة عندما يستمر الشخص في الجلوس أمام الكمبيوتر ساعات طويلة كل يوم، طبعاً مع استثناء الأشخاص الذين يستدعي عملهم ذلك، وقد توجد هذه الحالة لدى الانعزاليين ذوي الشخصيات الانطوائية أو الأشخاص الذين يرغبون في الهروب من ظروفهم ومشكلاتهم الحياتية فيلجأون إلى الحاسوب ليفرغوا فيه طاقتهم وهمومهم، فضلاً عن الإجهاد والتوتر النفسي الذي ينتج من استخدام الكمبيوتر لفترات طويلة.
وظاهرة غرف الدردشة التي صارت منتشرة بشكل يكاد يكون مرضياً يؤدي إلى الخلل في العواطف وتوجيه المشاعر في غير وجهتها الطبيعية، مما يقود الأسر إلى علاقات أخرى منحرفة، ولكن ذلك لا يعني إدانة الكمبيوتر بشكل مطلق وإنما هي دعوة إلى ترشيد استعماله وعدم المبالغة في استعماله بشكل يمثل خطرا على أمننا وسلامتنا النفسية على المدى البعيد.
الفراغ العاطفي
إذا كان الكمبيوتر والدخول على شبكة الإنترنت وغرف الدردشة تعبيراً عن صيحة علمية وتكنولوجية باهرة، فإنّها في وجهها الآخر تعبير عن فراغ عاطفي ونفسي ووجداني لدى المجتمعات، وخصوصاً في هذا العصر المادي الذي يفتقد إلى الروحانية، وإقبالنا الشديد على غرف الكمبيوتر والدردشة عبر الإنترنت يعبر عن غياب الضبط الأسري والهروب من العلاقات الاجتماعية المباشرة والواضحة إلى علاقات محكومة بالسرية ومحاطة بالكتمان ومأمونة العواقب في ظاهرها، إلا أنّه قد تقود في النهاية إلى مزالق خطيرة وتعصف بحياته ومستقبله.
كارثة اجتماعية
وثار الجدل مؤخرا عن التأثير السلبي لغرف الدردشة على العلاقة بين الزوجين داخل الأسرة، وذلك بسبب هروب الأزواج والزوجات وخصوصاً في أثناء حدوث خلافات بينهما، إلى البحث عن نوع جديد من العلاقات عبر شبكة الإنترنت، وهذه العلاقات أشبه بضربة الحظ قد تخرج منها بعلاقة جديدة ومفيدة على المستوى الاجتماعي، أو بخسارة فادحة عندما تصطدم بأولئك الذين يبحثون عن العلاقات غير الشرعية على شبكة الإنترنت، وبالتالي إمكان حدوث ما لا تحمد عقباه، وهذا ما دعانا إلى محاولة البحث في هذا الشأن والدخول إلى هذا العالم الافتراضي بهدف الوصول إلى واقع هذه القضية الخطيرة وآثارها على الأسرة المسلمة.
بين الواقع والخيال
إنّ من الأمور الخاطئة التي يقع فيها كثيرون خلال تعاملهم مع غرف الدردشة عبر الإنترنت، هو عدم تمييزهم بين العلاقات الاجتماعية عبر هذه المحادثات وبين العالم الواقعي، أو بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي، فنحن نفعل ونقول أشياء عبر العالم الافتراضي لا نفعلها ولا نقولها في العالم الواقعي، وعلينا أن نفهم أنّ الإنترنت عالم حقيقي وتجاهل هذا يؤدي إلى المتاعب؛ فالمستخدم عندما يقوم بعمل محادثة عبر الإنترنت فهو يقوم بها مع أشخاص حقيقيين لهم مشاعر حقيقية، فمستخدم الإنترنت عليه أن يعامل الناس بالاحترام نفسه الذي يعاملهم به وجها لوجه، أو في أثناء الحديث معهم من خلال الهاتف، ورغم ذلك هناك بعض الاختلافات فعندما يحادث مستخدم الإنترنت شخصاً بشكل مباشر ووجها لوجه فهو يرى جيِّداً حركات وجهه ولغة جسده بما فيها من حركة وصوت، وخصوصاً أن هذه الإشارات تشكل 60 في المائة من الاتصال البشري، أما في المحادثة عبر الإنترنت فهي تتم سرا وهذا يعني أن 60 في المائة من الاتصال مفقود وهو لغة الجسد، وبالتالي فالمستخدم يتخاطب بنسبة 40 في المائة فقط، وهذا ما يسبب سوء تفاهم على الإنترنت.
إيجابيات وسلبيات
إنّ المحادثة عبر الإنترنت (الدردشة) تعطي الشخص الفرصة للكلام عن أشياء لا يستطيع قولها مباشرة بسبب الهوايات المزيفة التي يستعملها مستخدم الإنترنت، وبالتالي لا تستطيع الأطراف الأخرى التعرف إلى الشخصية الحقيقية لهم ولا يعرفون في النهاية سوى الاسم المستعار لهم، وبالطبع لهذا الغموض وجه إيجابي آخر سلبي، ويتمثل الجانب الإيجابي في قيام الناس بالحديث عن شيء يخجلون منه وجهاً لوجه أو حتى عند الحديث في الهاتف، وهو ما جعل عدداً كبيراً من الأشخاص المنطوين يصبحون شخصيات جريئة على الإنترنت بعكس الواقع، ومن هنا أصبح الأشخاص الفاشلون اجتماعيا قادرين على إعادة التواصل مع العالم الخارجي عن طريق استخدام الإنترنت، فهناك الكثير من الأشخاص الذين يتميزون بالانطواء الذاتي تفتحت مشاعرهم من خلال الإنترنت، وهو ما يظهر في العزلة الاجتماعية وعدم الاتصال الإيجابي بالعالم الخارجي، وهذه النوعية من الأشخاص حصدوا عدداً من المنافع من خلال شبكة الإنترنت العالمية، أما الجانب السلبي لهذا الغموض فيتمثل في استغلال بعضهم لعدم القدرة على الكشف عن هواياتهم الحقيقية ليتحدثوا إلى أشخاص يستخدمون ألفاظاً نابية وفظة، لذلك على مستخدم غرف المحادثة أن يكون حذرا في تصديق كل ما يتلقاه عبر هذه المحادثة.
انهيار العلاقات الاجتماعية
غرف الدردشة بلا شك تؤثر على العلاقات داخل الأسرة والمجتمع وبخاصة العلاقات الزوجية، أن غرف الدردشة والإنترنت بعامة هي المكان الذي يستطيع فيه الإنسان أن يتحدث مع نفسه ومع غيره بصراحة ليقول ما لا يستطيع قوله في الاتصال المباشر، أما خطورة ذلك فتتمثل في أن العلاقات الزوجية تواجه فتورا شديداً، وذلك بسبب توجه الزوج نحو غرف المحادثة وتفضيل المحادثة لها على الجلوس مع زوجته، والتحدث إليها، والغريب حقا أنّ الإنترنت وغرف الدردشة قد تسبب في حدوث حالات من الطلاق من نوع جديد يعرف باسم الطلاق العاطفي، وهذا النوع من الطلاق يحدث عندما يجلس الرجل على شبكة الإنترنت ليلا ويرد على الرسائل الإلكترونية، ما يؤدي في النهاية إلى حال من الإدمان الإلكتروني وعدم الرغبة في التحدث إلى الزوجة. الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى الانفصال العاطفي بين الزوجين.
الانهيار الكاذب
ومن الجدير ذكره أن أحدث الدراسات أكدت أن الوسائط الإلكترونية الحديثة ذات تأثير سلبي كبير على العلاقات الحميمية بين الزوجين، ما يؤدي إلى نوع من الجفاف وتبلّد المشاعر، وبالتالي إلى زيادة المشكلات وتفكك العلاقة الزوجية، كما يؤكد البحث عن السبب في حدوث هذه المشكلات على نموذج الإثارة الإلكترونية التي تقدمها الدردشة والإنترنت التي صنعت خصيصاً للترفيه وإشباع هوايات البشر.
وعلى الصعيد نفسه، أكّدت إحدى الدراسات الحديثة أن نسبة كبيرة من الأزواج فقدوا الرغبة في التواصل مع زوجاتهم بعد أن انبهروا بنماذج من النساء عبر مواقع الدردشة الإلكترونية.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews