أسعار النفط.. سلاح غير استراتيجي شديد الفاعلية

جي بي سي نيوز - لم تكن الموجة المفاجئة من ارتفاع إنتاج النفط الخفيف الأميركي على اليابسة مجرد شرارة اشتعال لنمو اقتصاد الولايات المتحدة. بل خففت نوعاً ما أيضاً من المخاوف الأميركية التي سادت أجواء الاعتماد على واردات النفط.
وأظهر منتجو هذا النوع من النفط أنهم يستطيعون تسريع عمليات إنتاجه على نطاق واسع عندما تكون أسعار النفط مرتفعة، بينما يملكون القدرة أيضاً على تخفيض مستويات استثمارهم بسرعة عندما تنهار الأسعار كما حدث مؤخراً.
وهذه الحنكة هي ما يتيح للمنقبين عن النفط على اليابسة حماية بلادهم من بعض أو حتى معظم الأضرار الناتجة عن انقطاع الإمدادات.
بالنسبة إلى بعض المراقبين، تمثل طفرة النفط الخفيف المذكور أيضاً سلاحاً جديداً للحرب الاقتصادية.
ويلاحظ أنصار وجهة النظر هذه بشكل صائب أن أعداء الولايات المتحدة في الوقت الراهن هم روسيا وإيران، في ضوء أن ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة يميل كثيراً إلى كونه يتسبب بانخفاض أسعار النفط في العالم، والذي يقوض بدوره ثروة روسيا وإيران النفطية. وذلك فضلاً عن كونه يعزز أيضاً تأثير العقوبات المفروضة على الدولتين الأخيرتين.
ومع ذلك، لدى أميركا منافسيها الخطيرين من الدول غير المصدرة للنفط، فيما قد لا يكون النفط الرخيص من جهة أخرى مكسباً استراتيجياً لواشنطن.
لنأخذ جمهورية الصين الشعبية على سبيل المثال: تنخرط بكين في حرب "سيبرانية" ضد الولايات المتحدة. وتشكل ترسانتها المتنامية المناهضة للمحور الأميركي في المنطقة تهديداً للقوات البحرية الأميركية. وهي تضايق حلفاء الولايات المتحدة، اليابان والفلبين في البحر، وتستأسد على تايوان، وتدعم الدول المارقة المعادية للولايات المتحدة حيث يمكن أن تجِدها.
وعلى الرغم من ذلك، تستورد الصين 57% من نفطها المستهلك محلياً من الخارج، بينما تستورد الولايات المتحدة 32 % منه فقط من خارج حدودها.
وهكذا، بينما تهبط أسعار النفط، يحتمل بشكل كبير أن تكسب الصين نسبياً في مقابل أميركا. وتشكل الصين تهديداً عالمياً طويل الأجل لسيادة الولايات المتحدة. وفي الواقع، تتجاوز المخاطر في التنافس الأميركي-الصيني إلى حد كبير تلك التي تشكلها الأهداف المثيرة للقلق، التي تظل إقليمية إلى حد كبير وتشكلها كل من موسكو وطهران.
وفيما وراء القيمة الإستراتيجية الغامضة لأسعار النفط المنخفضة، يفترض مفهوم "أسعار النفط كسلاح" أن أسعار النفط العالمية تخضع لسيطرة أكبر مما يبدو عليها. وتميل أسعار النفط منخفضة إلى كونها تحفز استجابات سلبية. فعلى سبيل المثال، يمكن لهذه الأسعار أن تثير الفوضى لدى المصدرين (الهشين بالفعل) مثل العراق ونيجيريا –بينما ما تزال فنزويلا تعاني ضيقاً أكبر. وفي حال انخفض إنتاج أي هذه الدول إلى حد كبير، عندها يمكن أن ترتفع الأسعار مجدداً.
وتميل المخاطرة إلى أن تعظم على مر الوقت، لاسيما وأن انخفاض الأسعار يتسبب للمنتجين عالي التكاليف بخسارة حصصهم السوقية لمصلحة هؤلاء الذين تقل تكاليف إنتاجهم عنهم، والذين هم بطبيعة الحال أكثر عرضة للاضطراب منهم أيضاً. واليوم، أصبح إنتاج كل من كندا وبريطانيا في خطر، وكذلك هو حال جزء كبير من مصادر الولايات المتحدة النفطية على اليابسة. ووفقاً للمعايير العالمية، يعد نفط اليابسة الأميركي الخفيف مكلف الإنتاج. وفي هذا السياق، وبحسب أحد التقديرات، استخدم منتجو النفط المذكور في العام 2013 20 % من استثمارات صناعة النفط العالمية السنوية لإنتاج 4 % من نفط اليابسة الخفيف فقط.
لذلك، وبينما انخفضت أسعار النفط العالمية، بدأ منتجو الولايات المتحدة فعلياً بإيقاف حفارات التنقيب عن النفط عن العمل وبتسريح العمال. وإذا ما بقيت الأسعار منخفضة كما هي، ستتسارع التخفيضات المذكورة بشكل كبير. كما ومن المحتمل كثيراً أيضاً أن ينتهي نمو الإنتاج الأميركي في النصف الثاني من العام 2015.
سوف يواصل المنتجون الأميركيون في إنتاج كميات ضخمة من نفط اليابسة الخفيف، لكنهم لن يوقفوا العالم من الاعتماد على نفط روسيا والخليج الفارسي بشكل مؤكد.
يرثي العديد من النقاد ما يرونه كنفوذ سعودي طاغي على أسعار النفط العالمية. وليس هناك من شك أن السعودية العربية ترحب بتأثيرات انخفاض الأسعار على إيران وتنظيم داعش ومنتجي نفط اليابسة الخفيف الأميركيين. وفي الحقيقة، فجل ما صنعه السعوديون هو الاحتفاظ بحجم الإنتاج لديهم في مستوياته بينما تلين السوق العالمية.
ولا يملك السعوديون الكثير من الخيارات. فعندما خفضت السعودية إنتاجها في ما مضى، تجاوز شركاؤها في منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) خفية حصص الإنتاج الخاصة بهم، سارقين بذلك حصة السعودية من السوق ومحبطين الجهود الرامية إلى الدفاع عن الأسعار. وليس السعوديون بحاجة إلى تجرع خسائر الدرس الماضي مجدداً. وعلى هذا الأساس رفضوا أساساً قيادة سياسة تحديد الأسعار في الأوبك؛ ليس من حيث المبدأ، وإنما لكونهم لا يثقون بهؤلاء الأعضاء معهم في المنظمة النفطية.
ومع مرور الوقت، يحتمل أن تحفز الأسعار المرتفعة نمو نفط الولايات المتحدة الخفيف الجديد، كما يمكن أن يفعل تطوير تقنيات الحفر والتنقيب قليلة التكلفة أيضاً. ومع ذلك، ليست أي من هذه العوامل تنصاع بسهولة لأوامر البيت الأبيض أو قوانين الولايات المتحدة بشكل عام. حيث قيل أن التفويضات المسرفة من واشنطن تضع قيوداً متزايدة على الحفر وترفع تكاليفه بلا داعٍ.
ولذلك، يمكن للإصلاحات أن توسع وتكثف إنتاج النفط في الولايات المتحدة. ومن الناحية النظرية، قد يأتي متبني فكرة "النفط كسلاح" بالدعم اللازم إلى قضية الإصلاح، ولكن قضيتهم تعرض أيضاً رؤيا ضيقة للسياسة الخارجية الأميركية، فيما ما تزال أسسها على أرض الواقع مثيرة للجدل. وعلى غرار ذلك، يبدو من الواضح أن النفط وقود حيوي، وأن زيادة إنتاجه تصب في مصلحة نمو الناتج المحلي الإجمالي. وفيما يخص الإصلاح التنظيمي، في أعقاب ذلك، فقد يحقق نتائج أفضل إذا ما بقي متمسكاً بحيثياته الاقتصادية.