تصريح مدير وكالة الأستخبارات الأمريكية عن بشار الأسد
لم أفاجأ بما قاله مدير وكالة الإستخبارات الأمريكية " جون بريتان ليلة السبت أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك ، عن أن الولايات المتحدة لا ترغب في انهيار نظام بشار الأسد ، بل إن ما صرح به مسؤول أمريكي بهذا الحجم ليس سوى " إفصاح " عن نوايا كانت مبيتة منذ انطلاقة الثورة السورية قبل أربع سنوات ودخولها عامها الخامس بهذا الكم من الضحايا والمشردين والمشوهين واللاجئين والنازحين ، وبهذا الحجم من التدمير الممنهج .
فمنذ أن شمر أوباما عن ساعديه وحمر عينيه ، وشخر ونخر ، ولعن الشمس والقمر ، عقب اجتياز الأسد خطه الأحمر الهلامي ، واستخدامه الكيماوي في الغوطة الشرقية في الحادي والعشرين من آب من العام 2013 مخلفا مئات الضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين ، منذ ذلك الحين ، أي منذ سحبه بارجاته وغواصاته وطائراته سقط القناع عن وجه الإدارة الحقيقي الذي أخفته منذ خطاب أوباما في جامعة القاهرة في الرابع من حزيران عام 2009 ، وها هو مدير مخابراته يبق البحصة ، ويعلنها صريحة لاحبة : " إن الولايات المتحدة لا ترغب في سقوط الأسد " .
وإذا كانت أفعال الإدارة الأمريكية تناقض أقوالها في كل الملفات التي حاولت معالجتها ، وعلى رأسها الملف الفلسطيني ، من خلال خططها التي وكل بها وزير الخارجية جون كيري ، الذي لم ينجز أي شيء أو يحقق أي غاية في أي ملف تسلمه ،إذا كان الأمر كذلك ، فإن أيا من المعنيين بهذه الملفات في المنطقة - وأعني زعماءها - لم ينبسوا ببنت شفة حول هذا النفاق والتدليس الذي مورس بحق قضايا جوهرية وتاريخية وذات مساس بالأرض والإنسان ، ليتلقى الجميع هذه " اللطمة " التي لم يعلق عليها أي مسؤول عربي بشكل رسمي حتى كتابة هذه السطور .
قلنا في مقال سابق : إن هاجس أوباما الآن ، هو تحقيق إنجاز عملي له في سياسته الخارجية ، ولقد رأى هو ومستشاروه المقربون : أن أفضل إنجاز له يسجل في فترتيه الرئاسيتين هو اتفاق مع إيران ، بعد عقود من قطع العلاقات والتوتر والتلويح بالحرب في " العلن " ، ولقد استغلت إيران حاجة الرئيس الأمريكي بذكاء ، ولعبت في كل الأوراق ، ودخلت على خط اليمن ، بنفس أسلوبها " القديم " في الدخول على خط لبنان ، كما وكرست دخولها على سوريا ، وليس هذا فقط ، بل لقد باتت عاصمة الرشيد " بغداد " هي عاصمة الدولة الفارسية الجديدة ، كما يقول علي يونسي مستشار الرئيس الأيراني حسن روحاني ، وترجمة لهذا المعنى ، استبقت وكالة فارس الإيرانية تصريح يونسي بإفشائها أن قاسم سليماني موجود في محافظة صلاح الدين ويقود بنفسه معارك تكريت .
لقد وقف أوباما عاجزا أمام هذا النفوذ الإيراني الصفوي الجديد ، فرأيناه يبعث الرسائل السرية لخامنئي ويتوسل اتفاقا " جيدا " ليكون الإبتزاز الإيراني الواضح : وهو نفوذ إيراني إقليمي على كل المنطقة ، وتقاسم مصالحها مع أمريكا وإسرائيل إن لزم الأمر ، وهو ما يتسرب تباعا عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية .
إنها لمهزلة كبرى أن يصل الأمر إلى هذا المستوى الذي تجلى بمناورات حوثية خلال اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون في الرياض قبل أيام ، بل لقد تسربت أنباء عن اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة وبين إيران على وضع اليمن تحت نفوذهما معا ، الأمر الذي جعل دول مجلس التعاون تأخذ القضية اليمنية بكل جدية وحزم هذه المرة ، ونأمل أن تصل الأمور إلى مبتغاها .
إن تصريح مدير وكالة الأستخبارات الأمريكية لم يضف شيئا في حقيقته ، بل أضاف أشياء في صراحته واستهتاره بمشاعر ملايين السوريين ، وقبل هؤلاء الحلفاء العرب الذين يبدو أن اتفاقا إيرانيا - أمريكيا يلوح في الأفق ، سيجعلهم في مرتبة حلفاء " الأمس " نظير حلفاء اليوم : بشار وخامنئي ونصر الله وعبد الملك الحوثي .
هو حلم إيراني ، وسعي أمريكي ، ولكن شعوب هذه المنطقة ستقاومه ، وهي قادرة على جعله " أضغاث أحلام " في حال توفرت الإرادات ، وأعطيت هذه الشعوب قدراتها وإمكاناتها ، وها إن الشعب اليمني والشعب السوري ومكونا رئيسيا من الشعب العراقي من خارج " داعش " أثبتوا أن ما تريده إيران وأمريكا ليس قدرا مقدورا ، وإن الشعوب قادرة على الفعل ، وفي النهاية : الإنتصار .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews