التعويم الروسي لنظام الأسد
لم يكن مستغرباً أن تكون نتائج المؤتمر الذي دعت إليه روسيا لجمع الأطراف السورية المتحاربة هزيلة ومحدودة. فالشكوك حول رغبة روسيا في إنهاء الأزمة السورية كبيرة، شهدت عليها أدلة واسعة مذ أجهضت اتفاق جنيف الأول، واستخداماتها حق النقض في مجلس الأمن في أمور تتصل بالمساعدات الإنسانية للسوريين.
دعت روسيا إلى المؤتمر وهي محكومة بجملة ثوابت أهمها أن رئيس النظام بشار الأسد خط أحمر، وأن أية محادثات ستجرى تحت سقف بقائه على رأس السلطة. هذا الثابت الروسي المستمر منذ أربع سنوات يتصل وثيقاً بطبيعة المصالح الروسية في المنطقة. تدرك روسيا بوتين أنها ليست الاتحاد السوفياتي الذي كان يرى في المنطقة العربية أحد مناطق صراع النفوذ ضد المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما كان يضعه في موقع المساند لأنظمة عربية يقيم معها صلة سياسية وعسكرية. روسيا اليوم ليست في حرب باردة مع الغرب، بل جل ما تريده أن تضمن مصالحها بالاتفاق مع الأميركيين.
ويعود التشبث الروسي بالأسد إلى اعتباره الضمانة، وسائر المجموعة المحيطة به، في ظل انفلات القوى المتحاربة وتنوع مشاربها بما لا يطمئن الروس لمواقعهم في حال سقوط الأسد ومجيء قوى المعارضة إلى السلطة، فالنظام الروسي يعرف تماماً أنه يتمتع بسمعة سيئة جداً، بل وبعداء واسع، لدى معظم الشعب السوري، بسبب انحيازه الكامل لمصلحة النظام، وتوظيف منظومته المسلحة بضرب الشعب وتدمير سورية، واستمرار روسيا في مد النظام بالسلاح حتى اليوم.
تدعي روسيا أنها بدعمها لنظام الأسد إنما تساهم بالحرب العالمية ضد الإرهاب المتمثل بالتنظيمات الأصولية. لا شك في أن روسيا يحكمها هاجس الإرهاب الأصولي في بلدان شرق أوروبا وفي محيطها، والتي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، لكنها لا تزال تدور في فلك روسيا. ولا تزال أحداث الشيشان والقوقاز ماثلة لدى الروس. لكن هذا الادعاء مردود جملة وتفصيلاً، فالنظام السوري هو الذي أدخل الإرهاب إلى سورية من خلال السماح للجماعات الإرهابية بالتوسع والانتشار، مرات كثيرة بتواطؤ منه، وذلك من أجل توظيف هذه المجموعات في ضرب قوى المعارضة السورية و «الجيش الحر» التابع لها، وقد حقق نجاحاً مهماً على هذا الصعيد. كما أنه من المعروف أن جيش الأسد ومعه التنظيمات المتدخلة من قبيل «حزب الله» اللبناني والحرس الثوري الإيراني والتنظيمات العراقية الشيعية، لم تمارس أية أعمال مسلحة ضد التنظيمات الأصولية خصوصاً «داعش»، بل ظل تركيزها القتالي على المعارضة المعتدلة وعلى «الجيش الحر». فالنظام السوري الذي تدعمه روسيا هو أب الإرهاب الأصولي وأمه والداعم له، ثم المدعي محاربته عبر تصوير الحرب السورية أنها بين النظام وبين المجموعات الإرهابية.
قد لا يكون بعيداً من التقدير أن النظام الروسي بدأ يشعر بأن صفقة دولية إقليمية ما سائرة على الطريق بقيادة المعسكر الغربي، وأن روسيا لا تريد أن تجد نفسها خارج السياق، فأرادت أن تحجز موقعاً لها عبر التمهيد لأي حل، فكانت مبادرتها لجمع الأطراف السورية، التي أعلنت الولايات المتحدة أنها ليست بعيدة منها وأنها تشجعها في الوقت نفسه. لكن المبادرة كانت محكومة بالفشل سلفاً، فروسيا لم تتصرف على قاعدة دعوة المعارضة الرئيسية والمعترف بها دولياً إلى المؤتمر بصفتها التمثيلية العامة، بل جعلت الدعوة مقتصرة على ممثلين منفردين منها، بما ألغى مكونات أساسية في الحوار. كما أن روسيا تصرفت على قاعدة عدم دعوة قوى لا يقبل النظام بوجودها في المؤتمر، لذا كانت الدعوة لقوى لم تقطع بالكامل مع النظام سواء داخل سورية أو خارجها.
لم يكن النظام بعيداً من الترتيبات الخاصة بالمؤتمر، بل كان على تنسيق كامل مع الطرف الروسي. هو وافق سلفاً على المشاركة بوفد رسمي، كان يعرف أن حظوظ النجاح شبه معدومة، لكنه أراد إرسال رسائل إلى الخارج بأنه يريد الحوار لإنهاء الحرب، وأنه ليس العنصر المعطل لإنهاء الأزمة. لا شك في أن حداً من النجاح قد تحقق له، خصوصاً بعد أن حمّل الروس المعارضة مسؤولية فشل المؤتمر. هكذا، نجح الروس في تعويم الأسد ونظامه وتقديمه على أنه الطرف الوحيد الذي تجب مفاوضته.
لا شك في أن المؤتمر قد عكس واحداً من مآزق المعارضة السورية، لجهة تشتتها وعدم قدرتها على الاتفاق على هدف محدد، والأسوأ من كل ذلك مدى النفوذ الخارجي على بعض أطرافها، ما سيجعلها في الموقع الأضعف في تقرير مصير سورية عندما يحين أوان الصفقة الدولية – الإقليمية.
(المصدر: الحياة 2015-02-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews