قصة أخطر 200 متر في معرض الكتاب
جي بي سي نيوز :- حشود ضخمة، وفود عالمية، إعلاميين كثر، وأدباء يسيرون وسط العوام، كتب تعلو الرفوف، وتاريخ تحويه أرض المعارض، اهتمام مؤسسي وحكومي بالحدث الجلل، فيما تبقى هناك 200 متر هي الأهم في معرض الكتاب، على كل بوابة تتراص أعمدة حديدية، تفصل بين الوقوف على بوابات المكان، والعبور إلى داخله، يتوسطها رجال أمن، يعبرون عن قلق يساور الجميع من تفجيرات أو مشاهد عبثية قد تشوه جمال المحفل.
''تيسير'' تقف بجانب ابن أختها ذو الأربعة أعوام، تتلفت يمينا ويسارا، تلك هي المرة الأولى التي تأتي فيها، تسمع عنه اسما، وترى تقارير تليفزيونية عن دور النشر، جاءت من منطقة سكنها بالهرم، قطعت الطريق في ساعة ونصف، مستقلة خط المترو الجديد، لتصطدم بالزحام بعد أول قدم خارج محطة أرض المعارض، المتواجدة على طريق صلاح سالم ''متخيلتش إن الطوابير عاملة كدة''، تصدق الفتاة العشرينية في أهمية التأمين، لم تضع خريطة للتحرك داخل المعرض، فهمها الأول بعد أن أحضرت التذاكر كان عبور البوابات.
''حامل الحقيبة متهم حتى تثبت برائته'' هكذا يبدو المشهد من الخارج قبل أولئك الذين يتناوبون التفتيش عقب الولوج من البوابات الإلكترونية، لذا لم يكن مستغربا أن يتساءل شابان في دهشة ''لو سمحت هو اللي معاه شنطة مبيخشش؟''، يرد الضابط بوجه باسم ''هي فيها ممنوعات ولا إيه؟''، يضحكون فيما يربت رجل الأمن على كتف أحدهما موجها إياه قبل صف طويل يتخطى عدده 100 فرد.
بالرغم من إن صفوف الرجال أكثر عددا، إلا أن مرورهم كان أيسر كثيرا من النساء، الأمر الذي دعا بعض رجال الشرطة للإشارة للسيدات للانضمام إلى صفوف الرجال، كي يخفف عنهن وطأة الشمس الحارقة في نهار فبراير، بينما ارتدت سيدة حقيبة ظهر، دافعة أمامها سيارة تحمل طفلها، تسأل العسكري بوجه مرهق ''هو أنا لسه هقف في الطابور ده كله؟''، يرد عليها بالإيجاب، تقاطعه ''بس الضابط قاللي لو شافوا معاكي الواد هيدخلوكي''، يخبرها أن الطابور مليء بسيدات يحملن أطفالهن، تستسلم للأمر الواقع، وتنتظر دورها في الطابور.
رغم أن أحمد حسين، الرجل الثلاثيني، كان في طريقه لمغادرة المعرض، مع دقات الثانية ظهرا، إلا أن الزحام الشديد جعله يقف –لا إراديا- مع الصفوف التي تنتظر دورها في الدخول، يضحك بشدة وهو يحمل عدد ضخم من كتب ومراجع قانونية، تخص عمله كواحد من العاملين بالسلك القضائي، يشكو غلاء الأسعار لكنه يحتفي وبشدة بحالة التأمين ''مش مهم نقف كتير.. الخوف لو حصل حاجة تبقى كارثة على البلد وإحنا نضيع فيها''.
تأتي سلوى فوزي مع أسرتها كل عام من القناطر إلى المعرض''ابني وجوزي وانا بنحب القراءة''، لا تعبأ السيدة بالازدحام، رغم مجيئها من مسافة بعيدة ''بس المترو الجديد سهل علينا''، تجلب تذكرة الدخول ثم تأخذ دورا في الطابور قبل أن تؤكد ''مبقدرش أجي غير مرة واحدة، وبحب أحضر الندوات''، بينما يزور زوجها المعرض ثلاث مرات في كل موسم.
مع الاقتراب على الباب يبدأ التليفون المحمول في تصدر المشهد، كل من في خارج الأسوار الحديدية يُحدّث من خلفها، سائلا إياه عن مكانه بالداخل، ''زينات'' كانت قد شارفت على بوابة الدخول، يشع وجهها طربا أن الوقت قد حان، قبل أن تكتشف أن الدخول يحتاج تذكرة، تبتعد بخيبة أمل قليلة عن مكانها لتشتري مع الابنة صك الدخول، تصر على المشاركة حتى لو كلفها وقتا إضافيا ''أصل لازم أشتري كتب الدراسة بتاعة العيال''.
كانت الساحة المجاورة لطابور السيدات خالية إلا من ستة عساكر، تحفها أعمدة لونت بالأصفر والأسود، تصل بين طابور الرجال والسيدات، وجوه العساكر كانت مكفهرة، الشمس والتعب وتكرار الإرشادات على مسامع الناس، جعل الابتسام ضرب من المستحيل ''احنا واقفين من الصبح''، يقولها عسكري لزميله، بينما يعلو صوته قائلا لإحداهن ''ممنوع يا آنسة تعدي من هنا.. انزلي من تحت''، رافعا يده أمامها بحزم.
أم تحمل رضيعها، تتناقش في أبرز الإصدارات التي تنتوي الحصول عليها، تقلب فتاة عشرينية في حقيبتها الصغيرة لتعيد حساب نقودها، وهل ستنفد أم لا، تلهو طفلة مع صديقة تعرفت عليها للتو على بوابات المعرض، رجال الشرطة يتبادلون السجائر في أريحية، وتدعي لهم إحدى كبار السن ''ربنا يقويكوا يابني''.
العساكر فضلوا الوقوف لحراسة ''الحدود'' على تناول وجبات التعيين، فيما قرروا انتداب أحدهم لتجميع الطعام، المتاريس تحاوط المكان على بعد أمتار من البوابة. وفي الوقت الذي يحاول فيه عساكر الأمن المركزي الفصل بين طابور السيدات والرجال، بعض الفتيات رفعن هواتفهن المحمولة على طريقة ''سيلفي'' للتصوير، لإظهار حجم الطابور خلفهن، ولرصد حالة النصر والنشوة التي استحقونها بعد عبور عدد لا بأس به من السيدات، قبل الهروب إلى أرض المعرض، لنيل شرف اقتناص كتاب.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews